نساء ينتظرن الفرج

TT

يقول أحد المنظرين المتعصبين إن الرجل حينما يكون مسلوب القرار، أي قراره بيد غيره، يصبح كالأرض المحتلة، قد تحفر فيها خندقا أو تبني فوقها مستوطنة، أو تستهدفها بصاروخ، وفي النهاية يتحول إلى محور حديث الناس وإلى قضية تلوكها الألسن. أما المرأة فقرارها مثل الأرض الميتة، قد يأتي من يحييها ويجعل لها شكلا وفائدة، وقد لا يحصل فتظل الأرض ساكنة، صامتة، بلا تأثير يذكر. ويردف: «هل سمعتم عن قضية ذات شأن تتعلق بأرض ميتة؟ ولكن هل يمر يوم دون أن تذكر القضية الفلسطينية في وسائل إعلام كل العالم، من مدغشقر إلى أميركا؟»

هذا المنظر الشرير قصد المعنى الذي وصل إليكم؛ بأن قرار الرجل أكثر تأثيرا وأهمية من قرار شقيقته المرأة.

وما بين الأرض المحتلة والأرض الموات نخوض في جدل طويل حول أحقية المرأة في إدارة وزارة أو مدينة أو دولة، حيث أعطى الأميركيون حقوقا شبه كاملة للمرأة في مجال العمل، ولكنهم فضلوا عليها رجلا أسود ليدير البلاد، مؤقتا على الأقل، قالوا حينها هو أهون الشرين. وسائل الإعلام مؤخرا جرت مارغريت ثاتشر من فراشها لتقف ملوّحة بيدها أمام كاميرات التلفزيون ليذكروا الناس بأن كانت لديهم يوما ما امرأة يفاخرون بها، رغم فترة أرذل العمر وطابور طويل من الأمراض، ألطفها الإنفلونزا.

وبين فرحة البرازيل بتسجيل ديلما روسيف هدفا لصالح المرأة بتوليها رئاسة البلاد، وصيد فاطمة سلمان مقعدا في المجلس البلدي البحريني، تتكرر في كل أرجاء العالم عبارة: فوز أول امرأة بـ......، وكأن العالم اكتشفها للتو.

في السعودية، تعيش المرأة أوضاعا متناقضة، فقد بارك المجتمع وصولها لمنصب نائبة وزير، ولكنه حرم عليها بيع مستلزمات نسائية في محل تجاري! سمح لها بممارسة الطب دراسة ومهنة، بكل ما يرافقها من مظاهر الاختلاط بالرجل، وربما الكشف السريري على المرضى الرجال، في حين رفض عملها محاسبة في سوق عامة! من يستطع أن يفهم هذه المفارقات العجيبة فليسعفنا..

والمشكلة لم تعد في ابتكار وظائف تتناسب مع الوضع المحافظ للمجتمع السعودي، بل المشكلة أن هذه الوظائف موجودة ولا غبار عليها، عيبها - إن كان هذا عيبا - أنها خرجت عن إطار الوظيفة التعليمية التي رزحت تحتها السعوديات في العقود الماضية، والخروج من عباءة التعليم يشعر البعض بالخطر، وهو خطر وهمي بلا شك لا يستعمر إلا أصحاب الظنون السيئة.

قصتنا غريبة مع التعليم! بصعوبة دخلناه وبصعوبة نخرج منه.. وبالمقابل، وفي رأيي الشخصي، إن من أهم مشكلات التعليم في المملكة هي المرأة نفسها، المرأة أصبحت عائقا في سبيل تطوير التعليم، فهناك اعتقاد أنه المسؤول الوحيد عن توظيفها، حتى أصبحت سياسات مؤسساته تتشكل على هذا القالب، مما أثقل جسده بأعباء تفوق قدراته، جاءت على حساب أمور نوعية أكثر أهمية.

هناك أمثلة كثيرة لا يستوعبها من يطالع المشهد من بعيد، فكيف لبلد متنوع التضاريس، بمناطق جغرافية بكر، ويعاني اضطرابات مناخية وجوعا إلى المزيد من الدراسات البيئية، لا تجد فيه خريجات علوم البيئة عملا؟ كيف لدولة تتصدر الصناعات الكيماوية في المنطقة، بمدينتين صناعيتين، لا تجد فيها متخصصة علوم الكيمياء عملا؟ لماذا تقف خريجات علم الاقتصاد وإدارة الأعمال في طابور البطالة الطويل في بلد هو الأكثر جذبا للاستثمارات والأكثر نموا في القطاعات المالية؟ كيف يكون من الجائز شرعا، وعرفا، ونظاما، أن تشد الموظفة الرحال كل صباح معرضة نفسها للفتن، ما ظهر منها وما بطن، لتلتحق بالتدريس في عمق وادي أو أعلى سفح، في حين يحظر عليها العمل في سوبر ماركت بجانب بيتها؟

هذه أمور تتطلب من المسؤولين فتح ملف توظيف المرأة ودراسته بموضوعية، بعيدا عن الأيديولوجيات العقيمة، فالوضع يحتاج للوقوف على أرض الواقع وليس النظر من الأبراج العاجية. وحتى أكون أكثر صراحة فإن المطالبة بعمل المرأة في الوظائف العامة ليس بهدف تعزيز مشاركتها المجتمعية أو إثبات قدراتها الشخصية، مع تقديري لهذه الأهداف واعترافي بأهميتها، ولكن الحقيقة أن هناك حاجة مالية لتشغيل العاطلات، ومن يطلع على الدراسات الاجتماعية بهذا الخصوص ير أن على رأس مسببات الانحرافات الفكرية والسلوكية هو الوضع المالي المنخفض للشباب. للأسف، أصبح من الضرورة أن تكون المرأة السعودية أكاديمية أو طبيبة ليزيد حظها في الحصول على وظيفة، رغم أن السواد الأعظم من السعوديات يحملن شهادات جامعية ليست عليا، أو دونها.

«الصحة والفراغ» عمادا الاستعداد الوظيفي، اختارهما الرسول، عليه الصلاة والسلام، من بين نعم الله التي لا تحصى كنعمتين مغبون فيهما الكثير من الناس، فصاحبات الشهادات الجامعية، الصحيحات في البدن، يسبحن في مساحات شاسعة من الفراغ، بلا حيلة، ولا هدف، ولا مورد مالي، ولا مستقبل واضح. هذا يحدث على مرأى ومسمع من العقلاء.

[email protected]