كاليفورنيا تثبت أن الثورة الخضراء حية وقوية

TT

ساكرامنتو (كاليفورنيا) - عندما أخفقت قمة كوبنهاغن حول المناخ في التوصل إلى اتفاق في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ظن الكثيرون أن هذه بداية النهاية للنضال في مواجهة ارتفاع درجات حرارة الأرض. إلا أنني أؤكد بعد عام من انعقاد هذه القمة على أن «الثورة الخضراء» حية وعفية داخل دول وأقاليم ومحافظات في مختلف أرجاء العالم، بداية من كاليفورنيا.

على امتداد الشهور الكثيرة الماضية، شهدت الولاية معركة ملحمية قادت إلى عقد انتخابات. ودارت المعركة بين الاقتصاد القديم في مواجهة الآخر الجديد، وكانت أشبه بمعركة داود أمام جالوت. وحاولت الكيانات ذاتها صاحبة المصالح الخاصة المتسببة في تلويث البيئة التي أعاقت العمل الدولي في كوبنهاغن ووقفت حجر عثرة في طريق تمرير تشريع يعنى بالبيئة في واشنطن، إسقاط تشريعنا التاريخي في كاليفورنيا - «مشروع قانون المجلس رقم 32» - لتقليص الانبعاثات الكربونية وتعزيز مستقبل الاعتماد على الطاقة النظيفة.

وكان لهذه الكيانات كل الحق في التخوف من هذا القانون، بالنظر إلى كون كاليفورنيا ثامن أكبر اقتصاد في العالم، ويضفي عليها حجمها ووجودها العالمي نفوذا يمكنها من صياغة أسلوب التعامل مع التغييرات البيئية في مختلف أنحاء العالم. ربما لا يتجاوز حجمها مجرد نقطة على الكوكب، لكن كاليفورنيا باعتبارها ولاية رائدة ومعقلا للإبداع، تملك النفوذ الذي يجعلها بمنزلة مكافأة لقارة بأكملها. واعتقد أصحاب المصالح الخاصة أنهم إذا تمكنوا من سحق الزخم البيئي في كاليفورنيا مثلما فعلوا في كوبنهاغن وواشنطن، فسيتمكنون من حذف أي إجراء جاد حيال قضية الطاقة والتغييرات المناخية من الأجندة العامة.

وأنفق هؤلاء عشرات الملايين في محاولة لإقناع أبناء كاليفورنيا بأن التصويت لصالح القوانين الرامية للحفاظ على البيئة، هو في حقيقته تصويت ضد فرص العمل، وأن مستقبل الطاقة النظيفة سينطوي على تكاليف باهظة. وبطبيعة الحال، لم يأبه أولئك بفرص العمل بقدر ما كانوا يأبهون بزيادة عائداتهم عبر الاعتماد على الطاقة القذرة.

في النهاية، رفض أبناء كاليفورنيا السقوط في هذا الفخ بفارق ضخم في الأصوات بلغ 22 في المائة. ورغم الحملات الدعائية، كان أبناء الولاية مدركين أن التقنية الخضراء هي القطاع الوحيد حاليا في اقتصادنا الذي يخلق وظائف جديدة - بلغت 10 أضعاف ما يثمره أي قطاع آخر منذ عام 2005.

ويدرك أبناء الولاية جيدا تكاليف الاعتماد على الطاقة القذرة، ويعلمون أن 19000 يموتون سنويا في كاليفورنيا وحدها بسبب أمراض مرتبطة بالعوادم والأدخنة، وتتكبد ميزانية الرعاية الصحية الملايين جراء ذلك. كما يتحمل المواطنون أعباء تكاليف الحروب التي يجري خوضها لضمان إمدادات الطاقة الأجنبية. والمؤكد أن أحدا لا يرغب في خوض حرب أخرى من أجل النفط.. لقد خضنا ما فيه الكفاية!

وعليه، قاوم أبناء كاليفورنيا الحملات الدعائية لأصحاب المصالح. ونجحنا في تشكيل تحالف رائع من كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري ضم معنيين بالبيئة ورأسماليين ومنظمات صحية وشركات تجارية كبيرة وصغيرة ونقابات ومزارعين. لقد توحدت الصفوف جميعا. ولم يملك الناخبون من قبل قط مثل هذا الخيار الواضح المميز بشأن ما إذا كانوا يرغبون في الإبقاء على الوضع القائم المرتبط بالتلوث أم يشنون حربا ضد التغييرات المناخية ويتحولون باتجاه اقتصاد جديد يقوم على الطاقة النظيفة.

وجاء مواطنو كاليفورنيا على مستوى سمعتهم بكونهم أناسا يفضلون المستقبل على الماضي. وأطلقنا رسالة فشلت في الظهور في كوبنهاغن أو واشنطن، مفادها أن البيئة ليست للبيع.

وفي الوقت الذي نشعر فيه بالفخر حيال هذه العزيمة التي أظهرناها، ينبغي ألا نستكين ونكتفي بها. إن المهمة القائمة أمام الكوكب برمته هائلة. وقد أثبتت عزيمة كاليفورنيا أنه حتى إذا أصيب التقدم نحو تناول قضية التغييرات المناخية واستخدام الطاقة النظيفة بالجمود على مستوى الحكم العالمي أو الدول القومية، فإن المناطق المحلية داخل الدول لا يزال بإمكانها المضي قدما نحو بناء قاعدة تأييد جماهيرية عريضة.

وبالتنسيق معا، حققت كيانات محلية بالفعل تقدما مثيرا للإعجاب من دون إبرام اتفاق دولي خلال العام الماضي:

- في أوسلو بالنرويج، نجحوا في تقليص استهلاك الطاقة بنسبة 70 في المائة عبر الاعتماد على أساليب إضاءة للشوارع مبتكرة وموفرة في استهلاك الطاقة من دون عقد اتفاق دولي يقضي بذلك.

- أكثرت منطقة أوكافانغو الأفريقية من زراعة أشجار على مساحة 300000 آكر، مما يسهم في امتصاص 30 مليون طن من ثاني أوكسيد الكربون.

- تتحرك ولاية ساوث أستراليا نحو توليد 33 في المائة من طاقتها من مصادر متجددة بحلول عام 2020.

- عبر مناطق متنوعة، تستثمر الصين مليارات الدولارات في تصنيع مركبات كهربية وأخرى تعمل بالوقود المختلط.

- تعمل جنوب أفريقيا على تطوير مشروع لاستغلال الطاقة الشمسية من المقرر بعد إنجازه أن يوفر ثمن إجمالي استهلاك البلاد من الطاقة.

- قبلت 29 جامعة ومستشفى بمدينة نيويورك المشاركة في التحدي الذي أعلنه عمدة بلومبرغ بخفض انبعاثاتهم الكربونية بنسبة 30 في المائة خلال السنوات القليلة القادمة.

وهنا في كاليفورنيا، كشفنا النقاب مؤخرا عن أكبر مزرعة لاستغلال طاقة الرياح في العالم، بما يوفر الطاقة اللازمة لـ740000 منزل. وقد وافقنا بالفعل على إنشاء مؤسسات لإنتاج الطاقة الشمسية، بحيث توفر 4000 ميغاواط من الطاقة.

موجز القول، نحن في طريقنا نحو توليد 33 في المائة من إجمالي استهلاكنا من الطاقة من مصادر طاقة متجددة بحلول عام 2020. ولا تتضمن هذه النسبة الطاقة المولدة من المياه. عندما تحلق فوق كاليفورنيا، سترى الألواح الشمسية منتشرة عبر مختلف أرجاء الولاية، فوق المنازل والسجون والمستشفيات والجامعات وباحات انتظار السيارات والمخازن.

وبفضل القوانين البيئية التي قمنا بتمريرها، أصبحت كاليفورنيا الآن ترشد استهلاكها من الوقود بنسبة 40 في المائة بالنسبة إلى الفرد، بشكل أكبر عن بقية أرجاء الولايات المتحدة. ويتدفق أكثر من ثلث إجمالي رؤوس الأموال العالمية الموجهة للتقنيات النظيفة من ولايتنا. كما نحتل مكانة رائدة على المستوى الوطني في مجال إصدار براءات اختراع بمجال الطاقة النظيفة وتراخيص لشركات عاملة في هذا المجال.

على سبيل المثال، تستخرج إحدى هذه الشركات، «سولازيم»، الوقود من الطحالب، وترتبط حاليا بعقد مع الأسطول الأميركي لإمداد سفنه وطائراته بالوقود. هذا هو مجال العمل التجاري المستقبلي. والواضح أننا نقف الآن على أعتاب واحدة من الحقب التاريخية الانتقالية الكبرى - الانتقال نحو أساس اقتصادي جديد للقرن الـ21 وما وراءه يخلو من الوقود الحفري.

المؤكد أن أصحاب المصالح الخاصة وراء الوقود الحفري لن يتلاشوا بسهولة من دون قتال، فهم يملكون ثروات مالية كبيرة ولن يمنعهم شيء عن محاولة وقف أو تعطيل هذا التحول التاريخي.

من ناحيتها، نجحت كاليفورنيا في التصدي لهم، وكذلك الحال في المناطق المحلية الأخرى التي استعرضتها هنا. لكن يبقى أمر واحد مؤكد، وهو أنه عندما يأتي التغيير من جانب المواطنين أنفسهم، من القاعدة وليس على مستوى القمة العالمية، يصبح حينها تغييرا حقيقيا قادرا على البقاء، وهذا تحديدا ما يكسبه مراحل انتقالية وصفة تاريخية.

* حاكم ولاية كاليفورنيا

* خدمة «تريبيون» للإعلام