«القرش» يواجه أمواجا متلاطمة في طهران

TT

حتى عام مضى، كان مهدي هاشمي من الشخصيات الغامضة الهامشية على الساحة السياسية والتجارية داخل جمهورية إيران الإسلامية. وكان أصدقاؤه يشيدون بفطنته التجارية التي رأوا أنها ساعدته في جني مئات الملايين من الدولارات قبل أن يكمل عامه الـ21.

كما اعتادوا أيضا الإشارة إلى أنه خلال سنوات المراهقة الأخيرة من عمره، زار مهدي واشنطن في مهمة دبلوماسية سرية في ثمانينات القرن الماضي نيابة عن آية الله الراحل الخميني. خلال هذه الزيارة، تجول مهدي بالبيت الأبيض وأخطر محدثه، لفتنانت كولونيل أوليفر نورث، بأن آية الله على استعداد لأن يصبح حليفا وثيقا للولايات المتحدة. إلا أن مهمته أخفقت في الوصول لغايتها لأن الصحافيين الأميركيين كانوا في بحث مستمر عن «ووترغيت» جديدة. وعليه، أثاروا فضيحة «إيران كونترا».

ونظر منتقدو هاشمي الابن إليه باعتباره شخصا ماكرا يعمل كواجهة لوالده علي أكبر رفسنجاني الذي تمتع بنفوذ بالغ في وقت من الأوقات.

ويدعون أنه بنى إمبراطوريته التجارية بفضل حصوله على عقود حكومية مربحة وعقده صفقات مشبوهة مع دول أجنبية، وبخاصة الصين.

الأسبوع الماضي، بدأ مهدي في التفكير بشأن مستقبله أثناء إقامته في فندق فخم بلندن، بعدما علم بصدور أمر بإلقاء القبض عليه مما يعني أنه سيجرى احتجازه بمجرد أن تطأ قدماه إيران. ومن بين الاتهامات العديدة التي وجهها إليه المدعي العام الثوري الإسلامي «ممارسة نشاطات تقوض الأمن القومي».

في الوقت ذاته، عمدت وسائل الإعلام الحكومية إلى الترويج لشائعات ضد مهدي تتناول اتصالات مزعومة بينه وبين «قوى أجنبية» لم تحدد، بهدف تقويض النظام الخميني، بل والإطاحة به.

وبغض النظر عن حقيقة موقف مهدي، يبقى أمر واحد مؤكد، هو أنه بحلول أواخر تسعينيات القرن المنصرم تحول إلى رمز لمحاباة الأقارب والفساد في نظام سياسي يدعي طهارة الأخلاق في أرقى صورها.

وعليه، عندما خاض محاولته الأولى للوصول لمقعد الرئاسة منذ أكثر من خمس سنوات، تركزت أنظار محمود أحمدي نجاد على مهدي باعتباره هدفا يسيرا. وادعى أحمدي نجاد أن آل رفسنجاني حاولوا الظهور بمظهر الطبقة الارستقراطية الجديدة، وأن مهدي هاشمي يعد النموذج الأسوأ بينهم. ومع تعمده إصدار إشارة هنا وتلميح هناك، تعهد أحمدي نجاد بتقديم آل رفسنجاني للعدالة بناء على اتهامات بالفساد لم يذكر تفاصيلها. إلا أنه بمجرد فوزه بالرئاسة، أدرك أحمدي نجاد أن عصبة رفسنجاني وشبكة حلفائها التجاريين والسياسيين أقوى كثيرا عما كان يظنه.

خلال الفترة الرئاسية الأولى لأحمدي نجاد، نجح رفسنجاني في الحفاظ على منصبه كرئيس لمجلس تشخيص مصلحة النظام، وهو منصب قوي مكنه من التصدي للكثير من الخطوات التي اتخذها الرئيس.

بل وفعل رفسنجاني ما هو أفضل من ذلك، حيث نجح في الفوز في انتخابات اختيار رئيس مجلس الخبراء، وهو كيان قوي بمقدوره، نظريا على الأقل، سحب الثقة من المرشد الأعلى واستبداله.

على مدار السنوات الخمس الماضية، عمد أحمدي نجاد إلى بناء تحالف مع النخبة العسكرية - الأمنية التي يخالجها اعتقاد بأنها تعرضت للخداع على أيدي الملالي وحرمت من فرصة الثراء. وبناء عليه، أصبحت غالبية التعاقدات الحكومية المربحة من نصيب شركات يسيطر عليها الحرس الثوري الإسلامي. كما فقدت عصبة رفسنجاني هيمنتها التي دامت 25 عاما على الصلات التجارية بين إيران والصين.

الملاحظ أن رفسنجاني اعتاد خوض لعبة سياسية طويلة الأمد تمكن خلالها من الصمود في وجه العديد من العواصف السياسية حتى أطلق عليه الكثيرون لقب «القرش». لذلك، رفض رفسنجاني التحالف علانية مع التحالف المناهض لأحمدي نجاد الذي ظهر بعد الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل العام الماضي. حتى عندما أصدر أحمدي نجاد أوامره بخوض لعبة القط والفأر ضد عصبة رفسنجاني، بما في ذلك إلقاء القبض لفترة قصيرة على زوجته وابنته، نجح «القرش» في الحفاظ على رباطة جأشه.

على مدار قرابة ثلاثة عقود، ساعدت اللعبة الحذرة التي يمارسها رفسنجاني في بقائه على قيد الحياة السياسية في وقت فقد كثيرون غيره حظوظهم منها، بل ووصل الأمر أحيانا لفقدانهم حياتهم. في الواقع، يعد رافسنجاني واحدا من اثنين فقط من أقرب معاوني الخميني ما يزالان على قيد الحياة داخل إيران وما يزالان يتمتعان بالحرية والنفوذ. أما الآخر فهو علي خامنئي، بينما باقي المعاونين المقربين من الخميني إما ماتوا أو في المنفى أو السجن أو على الأقل بعيدا عن السلطة.

إلا أنه هذه المرة ربما تثبت الاستراتيجية التي نجحت لفترة طويلة انعدام فعاليتها في مواجهة أحمدي نجاد، الذي من الواضح أنه يضع نصب عينيه تحطيم رفسنجاني، ومن خلال ذلك تحطيم جيل كامل من الملالي السياسيين الذين يعتبرون أنفسهم الحماة الحقيقيين للثورة الخمينية.

وفي هذا الأمر تحديدا ربما يجد رفسنجاني بصيصا من الأمل. فحال نجاح أحمدي نجاد في إسقاط رفسنجاني، لا أحد يدري متى وأين سيتوقف؟ وهل سيحاول تقويض وضع خامنئي ذاته؟ على أي حال، يبدو واضحا الآن أن الرئيس والمرشد الأعلى لا يتشاركان الرؤية ذاتها وتختلف آراؤهما إزاء عدد من القضايا الجوهرية.

بوجه عام، بنى أحمدي نجاد شخصيته السياسية على ادعاءين: أولهما أن لديه خط اتصال مع الإمام المختفي، مما يعني أنه قد يتلقى توجيها من سلطة أعلى بكثير من الخميني، ناهيك عن خامنئي. ثانيا: يدعي أحمدي نجاد أن الإيمان الذي يكنه بداخله يمثل «التفسير الإيراني للإسلام». وبالتالي، فهو أقرب لكونه توجها وطنيا عن كونه دين.

حتى الآن، لم ينجح أحمدي نجاد في وضع صياغة كاملة لإعادة تفسيره الراديكالية لما يدعى الثورة الإسلامية على نحو أيديولوجي واضح. ومع ذلك، فإن عددا من مساعديه وحلفائه، بما في ذلك إسفانديار رحيم مشائي ومحمد علي رامين، منهمكون في اختراع شراب سحري جديد باسم «المدرسة الإيرانية من الإسلام».

في إطار هذا المزيج الأيديولوجي الجديد، لن تكون هناك مساحة للملالي السياسيين، خاصة «المرشد الأعلى».

وبذلك يتضح من الوهلة الأولى أن مهدي رفسنجاني ربما لا يعد مجرد صيد سهل المنال. ومع ذلك، فإن سقوطه ربما يثير انهيارا ضخما يدفن أسفله شخصيات أهم.

اليوم، يواجه مهدي رفسنجاني الذي لطالما عرف بذكائه اختيارا عسيرا ما بين العيش في المنفى، مما قد يعد تصويتا بعدم الثقة في النظام القضائي للنظام الخميني، أو العودة للوطن ومواجهة مستقبل غامض.

في المنفى، سينضم إلى مئات المسؤولين السابقين بالنظام الخميني يجتمعون على مقاهي باريس ولندن ونيويورك يخططون لإسقاط أحمدي نجاد.

وفي الداخل، سينضم إلى عشرات المسؤولين السابقين بالنظام ذاته داخل سجن إفين سيئ السمعة، حيث تعرض عشرات الآلاف للإعدام أو الموت تحت وطأة التعذيب منذ عام 1979.

الواضح أنه في ظل النظام الذي بناه آية الله الراحل، لا أحد بمأمن، ولا حتى «القرش».