ما الذي علينا أن نفعله للعراق؟!

TT

تحت هذا العنوان كتب نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن «What We Must Do for Iraq Now» مقالا في جريدة «نيويورك تايمز» 20/11/2010 (تُرجم المقال ونُشر في «الشرق الأوسط» تحت عنوان «ما يتعين عمله من أجل العراق الآن» بتاريخ 22/11/2010 - المحرر)، تزامن نشره مع انعقاد قمة تحالف الأطلسيين العسكري الموجه حاليا ضد بقية العالم، ومع المسعى الأوروبي اللافت لإنقاذ آيرلندا، ومع صفقة إغراءات أميركية لإسرائيل لتجميد الاستيطان (وهو في الواقع عملية تطهير عرقي ضد الفلسطينيين) لمدة ثلاثة أشهر فقط، والصفقة تشكل بحد ذاتها تحولا يؤكد عمق السيطرة الإسرائيلية على القرار الأميركي في الشرق الأوسط.

إن الكاتب يريد من القارئ أن يتوصل إلى الاستنتاج بأن «العراق بلد مؤلف من مجموعات متنافرة متحاربة»، وبأن «اتفاق الأطراف الأخير على تشكيل حكومة في العراق، جاء نتيجة جهد جهيد للولايات المتحدة التي لا تريد تهميش أي طرف في العراق». مع أن الواقع الفعلي يؤكد أن الغزو الأميركي للعراق قد همش العراق كأعرق وأغنى بلدان الشرق الأوسط، وهذا الغزو طبعا لم يأتِ السيد بايدن على ذكره. لا بل تشعر وأنت تقرأ المقال، أن الولايات المتحدة هي التي خلقت النفط تحت أرض العراق، وهي التي أنجبت حضارته، وهي التي طوعت أبناءه ليكونوا بالمستوى اللائق، وسوف تستمر في عملها هذا كي يتمكن العراق من الحياة بعد سبع سنوات من التدمير والإرهاب الذي أنزلته الحرب الأميركية على العراق، وبالطبع لا يأتي السيد بايدن على مسبّب هذه الحرب ولا يحدد المسؤول عن جرائم شنها ومواصلتها.

ومن أجل «إطلاق طاقات أبنائه ومواهبهم، فإن الولايات المتحدة لا تنسحب من العراق» حسب قول بايدن، «ولكنها تغيّر طبيعة انخراطها من انخراط عسكري إلى انخراط مدني حيث إن الخمسين ألف عسكري الباقين حتى عام 2011، لديهم مهمة جديدة، وهي أن ينصحوا ويساعدوا نظراءهم العراقيين». وفي الوقت نفسه، يقول بايدن: «فإن الولايات المتحدة تؤسس لحضور دبلوماسي يشمل البلد بأكمله وتبني شراكة ديناميكية، وفق معاهدة إطار التعاون الاستراتيجي، في قطاعات حكومية مختلفة بما فيها: التعليم، والطاقة والتجارة، والصحة، والثقافة، وتقنية المعلومات، وحكم القانون، والقضاء».

هل لاحظتم ما هو اللافت هنا؟ اللافت هو أن التعليم تقدم على الطاقة والتجارة وحكم القانون، لأن الهدف هو إحداث تغيير جذري في رؤية وانتماء الأجيال القادمة من العراقيين كي تنشأ وهي متقبلة، بفعل عمليات غسل الأدمغة، لهذا النمط من الاستعمار الجديد الذي خطط منذ ما قبل الغزو إلى إخضاع العراق ونهب ثرواته لقرون قادمة. ومن أجل التمويه على هذا الاستعمار الجديد يستخدم الأميركيون مصطلحات مثل: تقديم العون المكثف، والانخراط الأميركي المستدام في العراق، والانخراط الدبلوماسي الأوسع، وخطط تحديث قوى الأمن العراقية، وتمويل قوى الشرطة. وتقديم كل العون لقوى الأمن من خلال جهود مدنية تقودها وزارة الخارجية. أي إن مسؤولية احتلال العراق تنتقل من البنتاغون إلى وزارة الخارجية، والتي بدورها تنسق جهود استخدام التعليم والقضاء والصحة والطاقة، لاستعمار العراق وفق الأطر الحديثة. يختتم بايدن بالقول: «لقد كلفتنا حرب العراق ثمنا غاليا حيث إن 4430 (جنديا أميركيا) قد دفعوا حياتهم ثمنا لها»، وبالطبع الثمن الذي دفعه العراقيون لا يخطر ببال بايدن أبدا، فماذا يعني له ولإدارته مقتل وجرح وتعذيب مليون عراقي، وما يعني له ترك ملايين الأيتام والأرامل والفقراء، ولذلك تراه يهمل كل «هذا الثمن».

واليوم، يؤكد بايدن أنه «من مصلحة الولايات المتحدة الحقيقية أن تحافظ على المكاسب التي حققها العراق» وهو يقصد طبعا المكاسب التي حققتها الولايات المتحدة في العراق.

الهدف الأساسي من قيام إدارة بوش بغزو العراق، وإنفاق المليارات، والتضحية بآلاف الأميركيين من أجل ذلك، هو تحويل العراق إلى تابع وقاعدة أساسية للولايات المتحدة، في «منطقة ذات أهمية حيوية كبرى للولايات المتحدة». هذه الأهمية هي «حماية أمن إسرائيل». وهذا هو الهدف من غزو العراق، ومن زعزعة استقرار اليمن، والصومال، والسودان، ولبنان، وغيرها.

ماذا يقول المنظرون لحيادية الغرب وديمقراطيته للسيد جوزيف بايدن الذي يفنّد أهداف ومصالح الولايات المتحدة في العراق دون أن يظهر في مقاله أي أثر لوجود الشعب العراقي، ومصالحه، والثمن الباهظ الذي دفعه لتحقيق هدف السياسة الأميركية الحيوي في الشرق الأوسط، والمتمثل في «حماية أمن إسرائيل».

بالطبع، نحن نعرف أنه ليس من مهام نائب رئيس الولايات المتحدة التفكير في مصالح الشعب العراقي، وليس معيبا أن يصرح عن أهداف الولايات المتحدة. ولكن السؤال اليوم هو أين هو النظام الرسمي العربي من هذا النظام الاستعماري الجديد الذي وضحت مخاطره على الأمن القومي العربي.

لقد رأينا، نحن العرب جميعا، أنظمة وشعوبا، حاكمين ومعارضين، سياسيين ومثقفين، كيف أن قمة الأطلسيين قد ختمت بالشمع الأحمر دكاكين الحرب الباردة، وأعلنت بما لا يدع مجالا للشك تحالف أوروبا والولايات المتحدة وروسيا في مواجهة الخطر الإرهابي، وهو التعبير المستخدم حاليا لتحويل المسلمين إلى هدف لحروبهم واستعمارهم الجديد.

أين يقف العرب اليوم من هذه الولادات الجديدة لعالم يعادينا صراحة، ويهددنا فعلا؟

وها هي أوروبا تهب لنجدة آيرلندا، وقبلها وبعدها بلدان غربية أخرى متى ما احتاجت للمساعدة، بينما ينجرف البعض منا للفتنة بين الطوائف والمذاهب وأبناء البلد الواحد. بهدف استعمارنا من جديد يجهد الغربيون أن ننظر إلى أنفسنا كما يريدون: سنة وشيعة ومسيحيين.

الواقع، إننا نحن العرب، ما نزال نواجه تحديات جمّة في بناء الدول على أساس المؤسسات الدستورية. ونلاحظ نحن من خلال التجربة الحديثة، ومن التاريخ أيضا، أن الدول الإسلامية التي تحظى باحترام العالم، هي تلك الدول التي تنهض بتعليمها، واقتصادها، ومؤسساتها، فتعد بذلك لقوتها ومنعتها واستقلال قرارها.

واليوم تعد إيران، وتركيا، وماليزيا مثلا مستلزمات منعتها عبر التقدم العلمي والتكنولوجي، الأمر الذي ينعكس إيجابا على مكانتها الدولية.

إن الاستقلال الحقيقي للعرب يؤخذ بالعلم والتقدم في مجال تحقيق المشاركة الشعبية عبر الديمقراطية السياسية المناسبة. كما أن التضامن العربي، وتوحيد الجهود، هما السبيل الوحيد الذي يمكن أن يعالج نقاط ضعف العرب، ويحميهم من مخاطر الاستعمار الجديد، حتى و«إن كان البعض لم يمت كما يقال أو لم يرَ من مات وعاد ليتأكد من وجود الآخرة؟» فإذا كان البعض لا يدرك أهمية توحيد الكلمة والصف، فلينظر إلى أوروبا، وأميركا وروسيا من جهة، وليروا ماذا تفعل إسرائيل والولايات المتحدة من تبادل في الأدوار والمصالح، وليتذكروا دائما ما قاله بايدن عن منطقتنا التي اعتبرها «منطقة استراتيجية حيوية» للولايات المتحدة، لأن حليفتها ونفطنا المنهوب يقعان فيه.

علينا معالجة واقعنا السياسي بهدف جعل حكوماتنا حلفاء لشعوبنا، ومصالحنا، وليس لأهداف ومصالح الولايات المتحدة، ومن أجل حماية شعوبنا من قوى تعلن صراحة دعمها لكيان يستقدم مستوطنين مدججين بالسلاح النووي، والطائرات الأميركية، والدعم الأطلسي.