فضيحة الوثائق الأميركية

TT

الحقيقة الواضحة في وثائق «ويكيليكس» أنها أزمة أميركية ترقى للفضيحة، وأفضل وصف لها ما قاله وزير الخارجية الإيطالي بأنها «11 سبتمبر الدبلوماسية الدولية». فهي فضيحة بحجم التقصير الأميركي في الحفاظ على سرية الاجتماعات، كما أنها فضيحة للعقلية التي تدار بها الدبلوماسية الأميركية، خصوصا ما ورد في الوثائق من أن الدبلوماسيين الأميركيين يتجسسون على نظرائهم بالأمم المتحدة. والسؤال هو: كيف سيكون وضع الدبلوماسية، والعلاقات الدولية اليوم؟ ومن يستطيع الوثوق بالدبلوماسيين الأميركيين، من كل ساسة العالم، طالما أن الأمن القومي لبعض تلك الدول قد يتعرض للخطر؟ وهذا ما أكده الناطق باسم رئيس الوزراء البريطاني؛ حيث يقول: «إن التسريبات ونشرها تلحق أضرارا بالأمن القومي في أميركا وبريطانيا وأماكن أخرى.. من المهم أن تكون الحكومات قادرة على العمل وفق أسس سرية المعلومات».

لكن لا بد أن نتنبه هنا إلى أنه لا يمكن القول بأن كل ما تكتبه السفارات الأميركية يعتبر حقائق، فهي تقارير تؤخذ خارج سياقها أحيانا، وبعضها انطباعات وتحاليل، وبعضها الآخر ما هو إلا طرح لوجهات نظر أكثر من كونها سياسات. فالتفاوض بين الدول عادة ما يتسم بالصراحة، خصوصا خلف الأبواب المغلقة، وذلك قبل اتخاذ أي قرارات سياسية مؤثرة. فكيف يمكن لنا أن نتخيل، مثلا، كيفية تفاوض الأميركيين مع الروس حول قضية الجواسيس، أو تفاوضهم في العراق حول بعض الموقوفين من المحسوبين على إيران!

وأبسط مثال على ذلك ما ذكرته الوثائق، في حال كانت دقيقة، بأن العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز قد قال لوزير الخارجية الإيراني: «كإيرانيين ليس لكم دخل بقضايا العرب». مضيفا بوضوح: «اكفونا شركم». فكل ذلك يعني أن الساسة يتحدثون أحيانا بصراحة ووضوح، فالعاهل السعودي هنا لم يقلها لزائر غربي، بل قالها مباشرة لوزير الخارجية الإيراني وجها لوجه. لكن العاهل السعودي، ورغم كل ذلك، لم يقرر قطع علاقات بلاده مع إيران، فالتحاور شيء، والمواقف شيء آخر.

وبالتالي، فمهما قيل عن الوثائق الأميركية المسربة، ومدى دقتها، فإنها لا تكشف عن جديد، بقدر ما تعني أن هناك شيئا ما يدور داخل أميركا، وقد يكون على غرار فضيحة «ووتر غيت» التي أسقطت الرئيس نيكسون.

ولا بد من القول هنا بأن منطقتنا ليست بحاجة لوثائق تؤكد أو تنفي أن إيران مصدر قلق، كما أن رد الفعل الإيراني الذي بدا متعقلا على وثائق «ويكيليكس» ليس بسبب صفاء النية، بل لأن الوثائق نفسها تدين طهران في مسائل أمنية خطرة. وهنا لا يمكن للمتابع إلا استحضار ما نسب لرئيس الوزراء القطري - في الوثائق - من القول بأن العلاقة مع إيران تسير وفق التالي: «هم يكذبون علينا، ونحن نكذب عليهم». وهذه المقولة، وإن لم تكن دقيقة، تستحق أن تكون حكمة هذا العام، فقد لخصت واقع المنطقة مع إيران بكل ذكاء ووضوح. فطهران تدرك، ودون وثائق، أنها تعيش في محيط لا يثق بها، ولا يمكن أيضا أن يتنازل لها عن قراره وسيادته.