وكلسة!

TT

مرحبا بكم في عصر الفضاء الإلكتروني الذي قدم خدمة كبيرة للبشرية والأعمال بسرعة وكم المعلومات التي يقدمها بضغطة زر، وأيضا أعراضه الجانبية وفضائحه مثل الذي يحدث حاليا من تسريبات للوثائق الأميركية السرية وآخرها برقيات السفارات ووزارة الخارجية الأميركية، التي ستحدث أضرارا فادحة في العلاقات الدبلوماسية الدولية.

هل هو طيش إلكتروني تسبب فيه جندي أميركي كان في بغداد عمره 23 عاما، حسب التقارير الأميركية، أم عملية لها أهدافها السياسية حسب رؤية الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في تصريحاته أمس؟ هذا هو السؤال الذي سيكون مدار تكهنات وجدل حول نظريات المؤامرة حسب الاتجاه والموقف السياسي مثل أي أحداث كبرى أخرى حدثت في العالم في السنوات الأخيرة خاصة بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول).

التفكير المنطقي يقود إلى ترجيح مسألة الطيش الإلكتروني، فيصعب تصور أن هناك أي هدف سياسي يمكن أن تحققه الولايات المتحدة بإحراج نفسها ووضع مصداقيتها الدبلوماسية في موقف حرج كهذا مع حلفائها وأصدقائها بكشف فحوى محادثات سرية، أو تجاه خصومها ليعرفوا أسرار برقيات دبلوماسييها إذا سلمنا بأن كل المعلومات المسربة صحيحة.

ولنفكر جميعا كيف نخطئ إلكترونيا حتى في أشياء بسيطة تتعلق بحياتنا اليومية، فكم مرة نخطئ في إرسال رسالة نصية هاتفية إلى الشخص الخطأ، لأن الإصبع ضغط خطأ على رقم آخر من الهاتف الجوال، وكم مرة نرسل رسائل إلكترونية إلى عنوان خطأ بشكل غير مقصود، لأن ضربة الإصبع جاءت خطأ على لوحة المفاتيح «الكي بورد» في الكومبيوتر، وكيف تكون أخطاء الطباعة فادحة في بعض الأحيان لنفس السبب.

لقد أتاح العصر الإلكتروني إمكانيات هائلة، ملايين الوثائق في فضاء إلكتروني لا حدود له، وإمكانيات المشاركة في التواصل والاطلاع لا حدود لها، وبسرعة غير مسبوقة في التاريخ البشري. لكن ذلك أتاح أيضا إمكانية التسريب بشكل غير مسبوق.

فدفعة برقيات الخارجية الأميركية التي سرب منها نحو ربع مليون وثيقة كانت على «فلاش ميموري» أو «ستيك» كومبيوترية لا يتعدى حجمها نصف إصبع اليد، ولو كانت هذه الوثائق ورقية لاحتاجت لسرقتها وتسريبها عشرات الشاحنات لنقلها، وجيشا يضم مئات المحللين لفرزها وقراءتها، لذلك كان حجم التسريب والسرقة في الماضي شبه مستحيل أو محدودا للغاية.

وهذه الأزمة الدبلوماسية الدولية تسبب فيها حسب ما تسرب جندي محلل استخباراتي شاب عمره 23 عاما كان في بغداد، أتيح له بشكل أو بآخر الاطلاع على هذه البرقيات في إطار نظام مشاركة في المعلومات جرى تطويره بعد هجمات 11 سبتمبر من أجل سرعة تبادل المعلومات بين الوكالات الأميركية المختلفة.

المرجح أن الأجهزة الأميركية المختلفة ستسعى إلى تحسين وتحصين الأنظمة الإلكترونية لمراسلاتها وبرقياتها السرية، وأنظمة الأشخاص المسموح لهم بالاطلاع لتفادي هذا الحرج مجددا، والأرجح أن المسربين أو الساعين للتسريب سيطورون جهودهم هم أيضا، فلا يوجد أمن مطلق في عالم الفضاء والاتصالات الإلكترونية. والدليل على ذلك قطاع آخر دائما ما يتعرض إلى هجمات واحتيالات إلكترونية في حرب لا تتوقف وهو قطاع المال والمصارف، خاصة في مجال بطاقات الائتمان، فكم مرة نكتشف أن هناك بيانات ومعلومات حسابات أشخاص سرقت أو اخترقت، رغم كل الدفاعات الإلكترونية التي تقوم بها المؤسسات المالية.

الخلاصة هذه هي أحد الأعراض الجانبية السلبية للعصر الإلكتروني، فنحن لا نستطيع أن نعيش من دونه نظرا لفوائده العظيمة، وفي الوقت ذاته علينا التعايش مع أعراضه الجانبية مثل الـ«وكلسة» التي من المؤكد ستدخل قاموس اللغة مثل «فاكسة» المشتقة من «فاكس» و«فيس بوكة» من «فيس بوك».