واقع مذهل

TT

التقنية الحديثة لها آثار واضحة ومختلفة، وفي بعض الحالات شديدة التأثير على المجتمعات. ولا أبالغ بالقول إذا قلت إن المجتمع السعودي يستفيد ويطوع التقنية الحديثة بأسلوب مثير ومدهش له الأثر الهائل على أوجه مختلفة من حياته ومعاشه.

رسميا لا توجد سينما في السعودية، ولكن «الإنتاج السينمائي» السعودي، كما ونوعا، يواصل ويتواصل حصاده، سواء بالعرض في مهرجانات سينمائية أو بالعرض بصورة مباشرة على مواقع متخصصة وعامة على شبكة الإنترنت. وقد شاهدت أحد هذه الأفلام، وهو باسم «التطوع الأخير»، ولا بد أن أعترف بأنه عمل جميل ومضحك وخفيف ويقدم صورة ساخرة جدا للشباب وفكرة التطوع.

والسينما السعودية التي قدمت بشكل سخيف وساذج بفيلمي «مناحي» و«كيف الحال» ظلمت، وهي اليوم وعبر مجهودات شبابية تخترق هذا المجال بأفكار وقصص تستحق التحية وتستدعي في بعض الأحيان الكثير من التقدير والاحترام. والتقنية طوعت مجددا لتكون بوابة لفهم التسامح والوسطية في الدين (بعد أن استخدمها البعض لتكون باباً للتشدد والتنطع والتطرف)؛ فعن طريق الشبكة العنكبوتية اطلعوا على علوم وفتاوى وآراء ومعارف وعلماء، واكتشفوا عوالم وبحارا كانت «مخفية»، وبالتالي أصبح هذا علما جديدا وحجة بليغة.

والسعوديون طوعوا التقنية بشكل مدهش لكسر حواجز ومعوقات التعارف، فأصبح «اعتياديا» تواصل أبناء المناطق المختلفة مع بعضهم البعض ليتخطوا في الكثير من الأوقات الحواجز العنصرية والمسافات المريبة من الشك التي ولدت عبر السنوات، وبات من الممكن أن يحصل التعارف الحميد والمفيد بين أبناء وبنات المدن والقرى والمناطق بشكل جميل وراق. وطوعت التقنية لأجل إطلاق محطات وبرامج إذاعية بتقنية الـ«إف إم» قبل أن تصرح لها وزارة الثقافة والإعلام بصورة رسمية، وأطلقت المحطة تلو الأخرى، منها ما ركز على الرياضة، وأخرى على المحليات، وأخرى على الشباب، وجميعها تبث بشكل حصري على شبكة الإنترنت، وذلك بمجهود فردي وبتكلفة بسيطة ومتواضعة. وأنشئت شبكات التواصل وغرف المخاطبة في شتى المواضيع، فالسعوديون «انفتحت» عليهم المجالات، وباتت لهم آراء في كل المواضيع، ولذلك ليس غريبا أن ترى وتسمع السعوديين يشاركون في كل الاستفتاءات والبرامج والأسئلة والمناقشات والحوارات. حتى المدونات الإلكترونية لها في السعودية وجود قوي، وإلى حد ما مؤثر وفعال، فالتعليقات والمشاركات والمداخلات تعكس مناخا تفاعليا، لا يمكن إغفاله أو التعامل معه على أنه مجرد رد فعل أو «فشة خلق!»، فالموضوع تحول إلى جزء أساسي من حراك اجتماعي وثقافي كبير يستشعر به في أوجه كثيرة وكبيرة من الممكن قياسها في أنماط الاستهلاك التجاري والآراء الاقتصادية والتوجهات الثقافية بشكل عام. التقنية وثورة الاتصالات كانت «ضيفا» مريبا، ووجهت بآراء المنع وحواجز التحكم، ولكنها «بدعة» مثلها مثل كل جديد، من الممكن تطويعها للصالح العام والابتعاد عن مكامن الخطر فيها، والثورة التقنية وعالم الاتصالات المتغير دوما يحدث في السعودية تحولات في سنوات قليلة معدودة ما لا يمكن قياسه ولا معرفته فورا، ولكنه حتما ستكون له الآثار الهائلة، خصوصا مع ازدياد وانتشار الاستخدام الواسع للتنقية في أيدي شرائح أكبر من المجتمع، والازدياد في سهولة استخدام الوسائل، وقتها ستكون الآثار أوضح والنتائج أوقع.

التحول الاجتماعي في السعودية نتاج الثورة التقنية لم يعد نظرية ولكنه واقع مذهل.

[email protected]