تفضلوا.. هذه فضيحة جديدة

TT

انشغل العالم، ووسائل الإعلام، في الأيام الماضية بوثائق «ويكيليكس» التي اعتبرت فضيحة أميركية صرفة، لكن تفضلوا.. اليوم لدينا فضيحتنا! فمن يقرأ الوثائق المنشورة في الصحافة الغربية، ثم يقارنها بالترجمة المنشورة في بعض الصحف العربية، فسوف يفاجأ بعملية تزوير، وليس انتقائية، فالإعلام انتقائي بطبعه، حيث تنسب بعض الأقوال لغير أصحابها، وتحور المواقف.

والأمر لا ينتهي هنا، بل إن بعض وكالات الأنباء الإيرانية قد دخلت على الخط بطريقتها الخاصة، حيث قامت إحداها بنسبة تصريح لدبلوماسي سعودي، قالت فيه إنه فند ما جاء بالوثائق، وبالطبع فقد تناقلت الخبر بعض الصحف والمواقع العربية التي دائما ما تخدم أهداف إيران بالمنطقة، وزادت عليه، وهو ما أسميه دائما بعملية غسل الأخبار، حيث ينشر الخبر أولا على موقع إيراني وما يلبث أن تجده قد سرى مثل النار في الهشيم، وبعد ذلك كان الله في عون من يريد النفي أو التصحيح.

فأول من أمس، نسبت وكالة «مهر» الإيرانية خبرا لمن وصفته بالقائم بالأعمال السعودي في طهران، تقول فيه إنه فند للوكالة الأخبار المتعلقة بحديث العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز عن إيران بوثائق «ويكيليكس»، مضيفة أن القائم بالأعمال قد نفى كل ذلك جملة وتفصيلا، وعلى الفور تناقلت الصحف ذات الهوى الإيراني الخبر، وأضافت له أن القائم بالأعمال هو السعودي فؤاد قصاص.

بالنسبة لي كان الأمر محيرا، فأنا على علاقة جيدة بالدبلوماسي فؤاد قصاص، وأعرف أنه قد غادر منصبه في طهران منذ أشهر، بعد تعيين السفير السعودي هناك، وأنه، أي قصاص، قد باشر عمله بالرياض. اتصلت بالسيد فؤاد قصاص لأستفسر، تفاجأ الرجل، وقال: «لم أتحدث مع أحد، ولم أصرح، وليس لي علاقة بالسفارة السعودية في طهران، فأنا حاليا أباشر عملي في الوزارة بالرياض، وهناك سفير سعودي بإيران اسمه محمد بن عباس الكلابي»!

والطريف فيما يختص بوكالة «مهر» الإيرانية أنه بالعرف الدبلوماسي يتم تعيين قائم بالأعمال في حال عدم وجود سفير، والمعروف، والمعلن، أن السفير السعودي في طهران كان قد قام بتسليم أوراق اعتماده للرئيس الإيراني في 14 يونيو (حزيران) 2010!

وهذه القصة ما هي إلا غيض من فيض؛ فالواضح أن بعض الإعلام العربي يحرف ويزور من باب أن عدد الوثائق هو مائتان وخمسون ألف وثيقة، وبالتالي فمن الذي سيحاسب أو يبحث أصلا ليتأكد، وهذا يذكر بقصة تستحق أن تروى. ففي بداياتي الصحافية طلب مني أحد رؤساء التحرير الذين تعاقبوا على صحيفة كنت أعمل بها، نشر عنوان صحافي رئيسي على الصفحة الأولى عن أسامة بن لادن. أجبت بشكل مباشر وعفوي بأنني لم أقف على هذه المعلومة من قبل، فضحك قائلا: «هناك من قال لرفاقه إن عدد النجوم مليون.. فتعجبوا: وكيف عرفت؟ فأجابهم: عدوها»! ونظر إلي مبتسما وقال: «من الذي سيحاسب.. انشر ودعنا نبيع»!

ويبدو أن البعض لا يزال يعمل بهذه الطريقة في الإعلام العربي، للأسف.

[email protected]