حفيدات نينا بتروفنا

TT

أراد هنري كيسنجر أن يعقد مقارنة غير مباشرة، بين الغرب والشرق، في محادثاته مع رئيس وزراء الصين، شو ان لاي، فقال له «تعتقد ماذا كان حصل لو أن الرجل الذي اغتيل كان نيكيتا خروشوف بدل جون كيندي؟».. وفكر شو ان لاي قليلا ثم قال «كان المستر أوناسيس تزوج من نينا بتروفنا، بدل جاكلين كيندي».

كانت نينا بتروفنا، بثوبها القديم، ووجهها الضاحك البسيط، وسمنتها الفلاحية، هي صورة المرأة الروسية في العالم. وذات مرة التقيت على الغداء عند الرئيس إلياس الهراوي، مع السفير الروسي وزوجته. وخطر لي أن أمزح في شأن زوجة خروشوف، فقالت زوجة السفير باعتراض «كانت السيدة نينا بتروفنا من أرقى نساء روسيا».

خبأت عنا الحرب الباردة جمال روسيا وجمال الروسيات، الكثير والشديد والخاص. وذات مرة أخطأنا العنوان في باريس، ففتحت لنا الباب سيدة روسية تجاوزت العقد الخامس. فاعتذرنا عن الخطأ، ودار بيننا (عائلتي وأنا) حديث قصير، فأصرت على دعوتنا، واعتذرنا من جديد. لكنني قلت لها، ما بين المزاح والدهشة «لماذا خبأتكن الحرب الباردة كل هذه السنين خلف إزار نينا بتروفنا؟».

وعندما ضحكت للسؤال بان من ابتسامتها مدى بشاعة الحروب الباردة عبر كل العصور. دعك طبعا من الساخنة، التي أبادت ملايين الروس، وملايين الروسيات. ولعل رايسا غورباتشوف كانت أول من غيّر صورة المرأة الروسية خارج ما سمي ذات مرحلة «الستار الحديدي». وما إن سقط جدار برلين، وأزيل الستار، حتى تبين أن أجمل نساء العالم كن في العالم الآخر.. طبعا بمعنى العالم الشرقي. دفعة واحدة تقدمت أسراب الشقراوات من أوكرانيا وبولندا ورومانيا وتشيكوسلوفاكيا، بفرعيها، وخصوصا من سيبيريا.. وإذا بسيبيريا، يا صاحب الجناب الأفخم، التي كنا نعتقدها جحيم القياصرة البارد، وجهنم ستالين المرعبة، هي أيضا أرض الفاتنات. وإذا كنت قد حضرت يوما مسرح البولشوي، خصوصا في الصفوف الأمامية، فسوف تعرف ما أعني. هذا هو المسرح الوحيد في العالم، الذي تزول فيه الموسيقى خلف الجمال.

لا شك أن الذين يذهبون إلى موسكو هذه الأيام أو بحيرة بايكال أو مدينة كمشتكا (ليس بمعنى ضبطتك) أول ما يفكرون في شيء، يفكرون في لعن هنري كيسنجر، والحرب الباردة، والجدار.. والستار.