كيك بالكونياك

TT

الأستاذ طارق الحميد رئيس تحرير هذه الصحيفة تطرق، في مقال له بتاريخ 27 سبتمبر (تشرين الأول) الماضي، إلى احتمال عودة (المراقب الصحافي) – وهذا ما حدث فعلا - الذي يرصد الأخطاء اللغوية والطباعية والمعلوماتيه التاريخيّة والإحصائية والعلمية، وكان يقوم بهذه المهمة في حينها الدكتور أحمد الربعي رحمة الله عليه، وكان ذلك تقليداً حسنا وشجاعة تحمد عليها الصحيفة.

وقد سبقتها إلى ذلك صحيفة «التايمز» عندما لاحظت كثرة الأخطاء في مطبوعتها، ففرضت على كتابها وطابعيها ومصححيها غرامة مالية كبيرة في أي خطأ يرتكب.

وبدأت بمرحلة التحدي الكبيرة، حيث انها نشرت إعلانا جريئا على صفحة كاملة ترصد فيه مكافأة مقدارها ألف جنيه، لكل قارئ يعثر على خطأ مطبعي أو معلوماتي في الصحيفة، وبعد انقضاء سنتين وسبعة أشهر على قرار الجائزة لم يحصل عليها قارئ واحد. ومن الأخطاء التي نشرتها جريدة «الشرق الأوسط» نقلا عن وكالة «رويترز» عام 1988 ما تحدث به الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان في مقابلة لمجموعة من الطلبة، وأشاد بـ«ابن خلدون» زاعما أنه رجل مصري عاش قبل 1200 سنة. فقد ارتكب عدة أخطاء، فابن خلدون تونسي المولد والنشأة، ورحل إلى فاس وغرناطة وتلمسان، واستقر أخيرا في مصر كقاض في عهد السلطان الظاهر برقوق، وتوفي ودفن في القاهرة، وهو ولد عام 1332، ومات عام 1406 - أي إن الفارق الزمني بين الحقيقة وما قاله ريغان هو 618 عاما كاملا.

ولكي نبعدكم قليلا عن الأخطاء والأرقام التاريخية المرهقة، دعونا نستعرض بعض الأخطاء اللطيفة، وقد ذكر أحدها الأستاذ منذر الأسعد نقلا عن الدكتور محمد عبده يماني الذي أنشأ عام 1991 دار «القبلة للنشر» وفوجئ الدكتور ذات يوم باتصال من الأستاذ (بديع سربيه) الذي يصدر مجموعة من المجلات اللبنانية الفنية (الساخنة)، يعرض فيه أن يطبع عندهم كتابا عن مطربة سينمائية يحدد فيه عدد قبلاتها من أول قُبلة إلى آخر قُبلة.

فرد عليه الدكتور بطريقته الرصينة المعتادة مصححا وقائلا: إن مسمى دار نشرنا (القبلة) بالقاف المكسورة وليست بالقاف المضمومة.

فأسقط في يد الأستاذ (سربيه) قائلا له وهو يتأسف: يا ليتها يا دكتور كانت مضمومة على الآخر، فليس هناك ما هو أحلى من الضمة.

كما أن الأخطاء المطبعية ليست وقفا على المطبوعات العادية، بل قد تقع فيها حتى المطبوعات الدينية الملتزمة، وذلك عندما تورطت صحيفة «الدعوة» المحترمة في عدد من أعدادها، وكانت هناك صفحة منها عنوانها «المرأة المسلمة»، وفيها تقدم وصفة لعمل «كيكة» بالشوكولاته والفانيليا، وكانت خطواتها التي ترجمتها أو نقلتها المحررة من مجلة أجنبية كلها سليمة ولا غبار عليها، غير أنها في خطوتها الأخيرة قالت بالحرف الواحد: وعليكِ يا سيدتي لكي يكون طعم (الكيكة) ألذ فإنني أنصحك أن تصبي عليها قليلا من (الكونياك).

طبعا هذا خطأ فادح من الممكن أن يغتفر، خصوصا أن المحررة البريئة المسكينة لا تعرف أصلا ما هو الكونياك، فضلا عن أن تكون قد تذوقته.

الخطأ الصحافي الوحيد المحمود هو ما نشرته إحدى الصحف عام 1888، عندما توفي (لودفيغ نوبل)، وهو شقيق (ألفرد نوبل)، واعتقدت الصحيفة بالخطأ أنه (ألفرد)، فأخذت تصب لعناتها على عدو الإنسانية الذي اخترع البارود، وما إن قرأ نوبل هذا الهجوم الكاسح وهذه اللعنات، حتى أوقف كل أمواله في حياته وبعد مماته لتقدم كجوائز للذين يخدمون السلام في العالم.

[email protected]