عودوا إلى حمام الزاجل

TT

لا يخامر أي إنسان حول العالم اليوم، أي شك، في أن الدول تبحث عن وسائل جديدة للعمل الدبلوماسي. في مثل هذه الحال، العودة إلى القديم هي الأفضل. فلم يقل لنا أحد، مثلا، إن الرسائل التي كان ينقلها حمام الزاجل تسربت يوما إلى خصم أو صديق. والحل الثاني هو «الشفرة»، أو «الكود». فالخارجية اللبنانية كانت توزع على سفاراتها «شفرة» خاصة للبرقيات، لا يجيد قراءتها إلا مرسلها ومتلقيها. وطبعا من يتجسس عليهما.

كان يطيب للأستاذ غسان تويني أن يروي حكاية طريفة عن حميه، السفير محمد علي حمادة. فذات مرحلة كان محمد علي بك سفيرا في القاهرة، خلال عهد الرئيس كميل شمعون. وكانت العلاقة بين بيروت والقاهرة بالغة السوء. وذات يوم ألحت الخارجية اللبنانية على سفيرها تريد تقريرا عن الوضع في مصر. فماذا سيفعل السفير؟ إنه يخشى أن يتلكأ في واجبه، وفي الوقت نفسه يخشى إغضاب الدولة المضيفة. فماذا يفعل محمد علي بك؟ يقرأ في اليوم التالي افتتاحية «الأهرام» ويقرر إرسالها: حرفيا، ولكن بالمقلوب. أي من الكلمة الأخيرة والسطر الأخير. ولا تزال غرفة «الشفرة» في الخارجية تحاول إلى الآن قراءة «التقرير» وفك «رموزه».

في حدث آخر، كان السفير فريد حبيب، وهو من أصدقاء والدي، رحمهما الله، يمثل لبنان في أثينا. وفي إحدى الحفلات الدبلوماسية اقترب منه السفير السوفياتي معاتبا: «لماذا أنت ضدنا إلى هذا الحد؟ صحيح أننا شيوعيون، ولكننا مثلك أرثوذكس». ولدى لبنان تقليد قديم يرسل بموجبه دبلوماسيين من الطائفة الأرثوذكسية إلى أثينا. وكان آخر سفير غير أرثوذكسي، محمد علي حمادة بالذات. وفي السفارة تعرف غسان تويني إلى ابنته ناديا وخطبها ثم تزوجها. وكانت أول درزية تتزوج من مسيحي، من دون أن يعاقب العريس والعروس، العقاب الأقصى.

في أي حال، أدرك السفير حبيب من عتاب السفير السوفياتي أن عنده في السفارة موظفا يسرب التقارير إلى الروس. وخشي إن هو طرده أن يتسبب ذلك في أزمة بين البلدين. وهكذا وجد نفسه أمام حل واحد: أن يحمل التقارير بنفسه إلى بيروت. صحيح أنها وسيلة مكلفة لكنها مكفولة. اعتمدوها. دعكم من «ويكيليكس».