تفسيرات غابت عن العلماء

TT

استوقفتني ثلاثة تصريحات ثيوسية (أي تمزج بين الدين والسياسة) في طابعها ومضامينها ومقاصدها، حول ظواهر بيئية خالصة.

أولها يتعلق بكارثة حرائق الكرمل التي بلغت فداحتها حد نسيان الإسرائيليين والفلسطينيين خصومتيهما فتعاونا، بمساعدة فرق الإطفاء من أنحاء العالم لإطفاء الحريق، وإن كانت الطبيعة لطفت بالبيئة بهطول أمطار ساعدت في إخماد الحرائق.

الثانية هي مهاجمة أسماك القرش السابحين والسابحات الذين يرتادون شواطئ شرم الشيخ يغوصون فيها لمشاهدة مناظر خلابة تحت الماء جعلت من الغطس في مياه الشاطئ الضحلة واحدا من أهم معالم هذه التسلية المفيدة عالميا.

الخبراء في الحالة الأولى، سواء من علماء الأشجار والغابات أو أخصائيي الحرائق، بحثوا في الافتراضات التي تراكمت عبر أجيال من دراسة أسباب حرائق الغابات والأحراش (ومعظمها في أستراليا، وجنوب أوروبا وكاليفورنيا). إما نتيجة ارتفاع كبير في حرارة الطقس مع جفاف أوراق وأغصان تصبح مثل الحطب. وهذه قد تشتعل، إما من عقب سيجارة مشتعل ألقاه سائق سيارة مهمل وغير مسؤول، أو أشخاص في نزهة «شوي لحوم» ولم يتأكدوا من إطفاء الجمر، أو شرارة رعد وبرق، أو زجاجة فارغة مرت بها أشعة الشمس مثل العدسة المحدبة حيث تتركز في بؤرة تؤدي للاشتعال، أو شرارة كهربية من أسلاك كهرباء ضغط عال، وغيرها من عشرات الاحتمالات التي يستطيع أن يجيب عليها تلميذ في الصف السادس من المدرسة الابتدائية. المهم؛ هناك أسباب يكشف التحقيق عنها لتلافيها مستقبلا بتوعية الناس، أو تجنبها، أو تركيب أجهزة إنذار وغيرها.

ظاهرة التصرفات غير المعتادة لأسماك القرش، ربما تحتاج إلى أخصائيين، لكنها أيضا تخضع للتفسير العلمي، خاصة من جانب علماء البيولوجيا البحرية أو الفيزياء. قد تكون أسماك القرش تأثرت وهاجت وأصبحت أكثر وحشية بسبب ذبذبات رادارات الغواصات والسفن (أذكر مقابلة في مسقط مع عالم بيولوجيا بحري من النرويج عام 1991 أثناء حرب تحرير الكويت، كان قد جاء مع فريق لدراسة ظاهرة ضلال عدد من الحيتان طريقها في موسم التكاثر في بحر العرب قبالة مضيق هرمز، واصطدامها بالصخور، بعد أن أثرت إشارات الرادار من أكثر من 90 سفينة حربية على حاسة الإشارات العصبية التي تجعل الحيتان تعرف طريقها من المجال المغناطيسي من قاع البحر، ونشرت التحقيق وقتها في الصحيفة التي كنت أعمل بها «الإندبندنت»).

وهناك احتمال آخر بأن السفن التي كانت تحمل خراف الضأن المستوردة من نيوزيلندا وأستراليا لعيد الأضحى ألقت بالحيوانات النافقة في البحر، فتبعت الأنواع المفترسة من القروش السفن إلى شمال البحر الأحمر.

وهناك تفسير بأن بقايا اللحوم من المطاعم ألقاها شخص غير مسؤول. المهم محاولات علمية للتفسير في الحالتين.

لكن المفاجأة إقحام السياسة والدين في مسألتي حرائق الكرمل وأسماك القرش.

إسماعيل هنية، رئيس حكومة حماس المقالة في غزة، أتحفنا بتصريح يبدو متماشيا مع خط الحركة الثيوسي، باعتبارها حركة سياسية أصولها دينية (حركة المقاومة الإسلامية)، يؤكد أن حرائق الكرمل عقاب أنزله الله ببني إسرائيل بسبب افترائهم وسوء معاملتهم للفلسطينيين (ولم يقدم هنية تفسيرا للضرر الذي لحق بالفلسطينيين المسلمين من مواطني إسرائيل، هل لأنهم: 1- منافقين؟، 2- متواطئين؟، 3- شياطين خرساء لسكوتهم عن الحق، ومن هنا نزل بهم العقاب؟!)

وعلى الطرف المقابل من تصريحات السيد هنية، تجد اتفاق خصمه وعدوه اللدود الحاخام عوفديا يوسف، زعيم حركة شاس الدينية (وهي مثل حماس حركة دينية سياسية) من أن الحرائق هي عقاب انزله الله ببني إسرائيل، لسبب آخر تماما، هو مزاولتهم النشاط الدنيوي بدلا من التعبد والصلاة وذكر الله يوم السبت، ووجد في التوراة والتلمود ما يدعم زعمه.

والأمر يؤدي للغرق في بحر الحيرة، فالله واحد لنبيي اليهودية والإسلام، يعبده المسلمون واليهود معا، والقرآن والتوراة كتابان سماويان، فهل يتحفنا أحد الثيوسيين بفتوى أو تفسير ينتشلنا من دوامة الحيرة التي تكاد تبتلعني فيجرفني التيار نحو مياه شرم الشيخ؟

ووفق هذه الموجة (ولا أقصد قافية فكاهية)، توقعت أن يصدر تفسير من رجل دين مسيس يعتبر أن هجمات أسماك القرش في شرم الشيخ عقاب إلهي للنساء المتبرجات بمايوهات شبه عاريات في جنوب سيناء وهي أرض مقدسة خطا عليها نبي الله موسى. والدليل أن الضحايا من النساء (رغم أن المتوفاة عجوز في السبعين، ورغم أننا لم نسمع بأي حادث مشابه عندما كانت المصريات، مسلمات وغير مسلمات، يسبحن بالبكيني في الخمسينات والستينات من القرن الماضي).

ولم يصدر تفسير العقاب الإلهي بعد (ربما صدر ولم يمر بشاشة رادار عقلي بعد)، وإنما سمعنا تصريحا يفوق ما أتحفنا به هنية والحاخام يوسف مجتمعين، من محافظ جنوب سيناء. المحافظ هو رئيس الحكومة المحلية في أحد أهم مناطق مصر. فمصايف طابا وشرم الشيخ ودهب، التي يدر اقتصادها ملايين الملايين من السياحة، ناهيك عن مسؤوليته عن أمن مصر خاصة من ناحية تسلل الإرهابيين وتهريب المخدرات. باختصار موقع مسؤولية لا يقل خطورة وأهمية عن مسؤولية وزير أو رئيس وزارة.

صرح سيادة المحافظ أن أسماك القرش المفترسة التي هاجمت السابحات والسابحين، أرسلتها إسرائيل بهدف النيل من القطاع السياحي في مصر!

وراجعت عدة وكالات ومصادر (بعد أن راجعت مفكرة الجيب للتأكد من أن اليوم ليس أول أبريل / نيسان)؛ وتذكرت مسرحية فكاهية للصديق علي سالم كتبها قبل أربعين عاما اسمها «الكاتب في شهر العسل» عندما تجسست الأجهزة الأمنية عليه (لميوله اليسارية) واكتشف أن الذبابة التي كانت تطارده وعروسه عرجاء، بعد أن ركب قسم مكافحة الشيوعية بالمباحث العامة ميكروفونا دقيقا في إحدى رجليها لتسجيل أقواله وضبطه متلبسا بترديد أفكار هدامة.

تصور قدرة وبراعة وعبقرية الموساد؟

تدريب سمك القرش، بحيث يتعرف على الطريق، ولا ينشط في شواطئ مياه إيلات مثلا، لا في المياه المصرية، بل ومن دقة التدريب لا يهاجم السمك المصريين، لأنه يتعرف على الباسبور (الذي تركته السابحة في غرفة تغيير الملابس)، وإذا وجدها مصرية أو مقيمة في مصر أو وصلت «ببلاش» على دعوة مجانية، يتركها وشأنها لأن وجودها عالة على الاقتصاد المصري، فقط إذا كانت سائحة مسافرة درجة أولى أو بزنس ونزيلة فندق خمس نجوم وتعطي بقشيشا محترما، فإنه يهاجمها تنفيذا لمهمته وإضرارا بقطاع السياحة.

ولذا فلن تعثر فرق البحث والخبراء للقرش على أثر، فقد استدعاه الموساد، بعد تنفيذ مهمته، للتدريب، استعدادا للمهمة القادمة؛ وهي الإضرار بالملاحة في قناة السويس!