انطلق من دمشق

TT

عادت واشنطن لدعوة الفلسطينيين والإسرائيليين إلى جولة جديدة، لاستئناف مفاوضات السلام، وكالعادة رحبت إسرائيل فورا، وستقوم بالتخريب لاحقا، وتشكك الفلسطينيين، كالعادة أيضا، وسيبحثون خياراتهم لاحقا! وهذا هو العبث بعينه الذي تعيشه منطقتنا منذ زمن!

والسؤال هو: لماذا لا تسلك واشنطن طريقا آخر للوصول للسلام المنشود، وذلك عبر المفاوضات الإسرائيلية السورية، فهو أسهل بكثير من الشق الفلسطيني الإسرائيلي، وسيكون أحد مفاتيحه الحقيقية؟ صحيح أنه من الصعب الوثوق بالوعود السورية، وصحيح أن دمشق ما زالت تريد محاضرة العالم بما يجب، وما لا يجب فعله، لكن ماذا لو وضعنا أنفسنا مكان السوريين، فما هي البدائل أمامهم؟

فهل يعقل أن تكون دمشق طرفا قويا في استقرار المنطقة، وأن لا تدعم حزب الله، وحماس، ويطلب منها الابتعاد عن إيران مقابل وعود فقط؟ في وضع سورية سيكون ذلك خطرا كبيرا، بل كارثيا. إذن ما الحل؟ تبدو الخيارات محدودة، فإما على أميركا أن تنجز السلام الفلسطيني الإسرائيلي، ولا يوجد ما يدعم هذا التفاؤل، علما أنه أمر حتمي طال الزمان أو قصر، وإما عليها أن تضرب إيران لعزل حلفائها بالمنطقة، ومنهم سورية، وهذا خيار له عواقب وخيمة، أو أن على واشنطن أن تجرب مسارا آخر للسلام وهو خط دمشق. وهذا لا يتم إلا بإعادة الجولان للسوريين، وسيترتب على ذلك الكثير.

حينها لن يكون بمقدور دمشق دعم حزب الله الذي يهدد بخراب بيروت اليوم، ولن يكون بمقدور دمشق دعم حماس التي لن يبقى لها خيارات كثيرة، فإما اللحاق بركب السلام، أو نقل مقر قيادتها من دمشق إلى طهران وهذا انتحار سياسي. كما لا يمكن لسورية أن تكون حليفا لإيران مثل اليوم. وقد يقول البعض إن السوريين شطار سيأخذون الجولان ولن يسهموا في الاستقرار، وهذا غير صحيح، فالثمن وقتها سيكون فادحا، وأقصى ما يمكن أن تفعله دمشق هو الدخول في مرحلة السلام الفاتر، وهذا أفضل من صب الزيت على النار الذي تجيده دمشق.

وعليه، فإن السلام السوري الإسرائيلي من شأنه تزييت عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية، وعزل حلفاء إيران، وقصقصة نفوذ طهران بالمنطقة. فسورية منطقة تقاطع لكل حلفاء إيران، من العراق إلى لبنان، وحتى غزة، كما أن من شأن هذا السلام أيضا تدعيم استقرار المنطقة، وتعزيز التعاون الأمني، والاقتصادي، فيها بشكل حقيقي.

صحيح أن هناك من يقول: ولماذا نكافئ سورية؟ لكن الأصح أيضا هو أن السياسة هي فن الممكن، وليس فن المناكفة، على الطريقة العربية. وصحيح أن البعض يقول: وهل تصدقون سورية؟ والإجابة: لا، لكن هل نصدق إسرائيل لنمنحها كل تلك الفرص، وبلا نتائج، ودون أن نمنح السوريين فرصة؟

ولذا فإذا أراد الرئيس أوباما خلق نقطة تحول حقيقية في منطقتنا، فعليه أن يجرب المسار السوري شريطة أن تكون مفاوضات المبنى الزجاجي، أي ألا تمنح دمشق فرصة للتلاعب، ولا تترك إسرائيل لممارسة التسويف الذي تجيده، فالملف ليس بالغ التعقيد.

فيا فخامة الرئيس أوباما جرب مسار دمشق.

[email protected]