أيام فاتت!

TT

أحمد جلبي شخصية أثارت الكثير من اللغط. لم يكن موقفي منه موقفا مشجعا. كنت في معسكر الساخطين، ليس لأن فيه ما يستحق السخط، وإنما لأن السخط أصبح شيئا يجري في عروقي. من المعتاد للساخطين أن يدفعوا ثمنا باهظا على سخطهم وشتائمهم في عالم يتوقف فيه النجاح في الحياة على التملق ومسح الجوخ.. بيد أن سخطي على الجلبي جاد علي بمعروف لم أتوقعه. وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم.

تزعم الجلبي الدعوة لمؤتمر المعارضة العراقية في نيويورك قبيل غزو العراق. وكنت من المدعوين للمؤتمر. فرحت بالدعوة، فليس من المعتاد لأي أحد أن يدعوني لمؤتمرهم. ونيويورك مدينة جميلة كنت مشتاقا لرؤيتها، ولا سيما أن صديقتي القديمة الصحافية ماريا هنلي كانت تسكن فيها واشتقت للقائها وسؤالها عن صحتها وأحوالها. جمعت حاجياتي واشتريت هدية ثمينة.. قنينة عطر «أمواج» العمانية لماريا. وتأهبت للسفر. وفي اللحظة الأخيرة أبلغوني بأنني لم أعد مدعوا للمؤتمر. لقد سحبوا الدعوة.. استغربت من الأمر وفكرت في أنه يمكن ماريا أمرتهم بشطب اسمي. ولكن قيل لي إن أحمد الجلبي هو الذي شطب اسمي من القائمة كشخص غير مرغوب فيه.

بعد بضعة أيام، فتحت لي شقيقتي سلوى مكالمة من بغداد: «يا خالد أنت أصبحت تسبب لنا مشاكل كثيرة. داخل مع هؤلاء المعارضة ورايح إلى مؤتمرهم في أميركا وتحرج موقفنا هنا في بغداد.

- من قال لك هذا؟ أنا ما رحت لأميركا ولا حضرت أي مؤتمر للمعارضة.

- شلون؟ ما حضرت؟ يقولون حضرت.

- غلطانين.

- أكيد؟ أكيد ما رحت وياهم؟ زين إذن تكلم مع أبو أحمد».

سلمت السماعة لرجل كان بجوارها. ما إن بدأ بالكلام حتى ظهرت نبرة المخابرات في صوته: «أستاذ خالد، نحن نعرفك.. أنت رجل وطني وتحب العراق. وما ممكن تخون بلدك وتحط نفسك بين هالخونة.

- اللي خبركم غلطان. أنا ما رحت لهذا المؤتمر ولا علاقة لي بالموضوع. ولكن أرجو أيضا أن تفهموا موقفي. أنا أشتغل في جريدة لها سياستها المستقلة وموقفها من الحكومة العراقية. يمكن أكتب فيها الشيء اللي ما يعجبكم.

- اتركها. ولا يهمك. أنت صدر جريدة أحسن منها ونحن نمولك.

- شكرا، ولكن أنا مجرد كاتب وما عندي أي خبرة بإصدار جرايد وإدارة جرايد. تعذروني».

انتهت المخابرة بكلام رقيق. دعا لي بالصحة والخير وقابلته بالمثل داعيا له بالخير. ولكنني الآن لا أعرف ما إذا كان الله تعالى قد استجاب لدعائي، وأين أصبح مصير أبو أحمد هذا بعد سقوط صدام حسين. بيد أن سلوى خرجت من سراديب المخابرات سالمة معززة ومكرمة وأوصلها أبو أحمد بنفسه إلى الباب.

وكل ذلك من أفضال أحمد جلبي الذي شطب اسمي من قائمة الوطنيين المدعوين إلى أميركا.. ولولاه فلا أدري ماذا كان سيحدث لأختي سلوى وهي بين براثن مخابرات صدام حسين. يعني الإنسان ينبغي أن يكون منصفا ولا يتنكر على الحقيقة أو ينكر فضل الناس. وأنا وأختي سلوى سنبقى مدينين للجلبي على ما قام به من معروف نحوي!