الخطوط الحمراء.. الكردية هذه المرة

TT

الحديث عن حجم الإجحاف والغبن الذي تعرض له الشعب الكردي عبر التاريخ، ونضاله المشروع من أجل الدفاع عن حقوقه السياسية والثقافية والاجتماعية، لن يمنعانا من القول إن القيادات الكردية في شمال العراق لعبت باحتراف بالغ بالورقة الأميركية التي وفرت لها الكثير من الفرص والظروف التي أوصلت الأمور إلى ما هي عليه اليوم في العراق وشماله.

حقيقة أخرى لا يمكن تجاهلها، أيضا، وهي أن مواقف القيادات الكردية العراقية التي ذكرنا بها رئيس إقليم الشمال مسعود بارزاني مؤخرا تتعارض بشكل كبير مع مبدأ ومشروع الالتزام بالوحدة العراقية أرضا وشعبا ومؤسسات، وأن تغيير شكل النظام العراقي ودستوره باتجاه الفيدرالية بدل الدولة الموحدة ما هو في الأساس سوى مقدمة لمشروع كونفدرالي رخو ومطاط عرضة للانفراط والتفكك والانفصال في أية لحظة.

بالأمس القريب وفيما كان الوفد التركي ينقل تهنئة أنقرة وتقديرها لمواقف القيادات الكردية في شمال العراق، وفيما كان نائب رئيس حزب العدالة والتنمية عبد القادر أقصو يتحدث عن التناغم والتنسيق في الأولويات بين أنقرة وأربيل، كان مسعود بارزاني يردد في كلمته أمام مؤتمر حزبه أن الكرد أمة واحدة، وسيبقون كذلك، وأن الهوية الكردية لكركوك مسألة محسومة لا مساومة حولها، وأن للأكراد حقهم في تقرير مصيرهم مثل غيرهم من الشعوب.

بارزاني سيوضح كلامه هذا ويوسع أفكاره في الأيام المقبلة حتما، وهو سيحدثنا عن الحدود الجغرافية للأمة الكردية التي كما فهمنا ستمتد وتنتشر خارج حدود شمال العراق، التي ستكون أبعد من حدود أية دولة كردية تعلن هناك، هذا إذا ما أضفنا إليها مقولته حول حق الأكراد في تقرير مصيرهم وأرفقناها بما فهمناه من أقرب المقربين إليه نشروان بارزاني وهو يفسر ما قصده مسعود بارزاني أن لأكراد شمال العراق الحق بالانفصال وإعلان دولتهم، لكنهم لا يفكرون في هذه الآونة بالإقدام على خطوة من هذا النوع.

تركيا تتغير حتما، فحتى الساعة لم نسمع بأية ردود فعل رسمية وسياسية حول كلام بارزاني الذي ما كان ليمر بمثل هذه البساطة قبل عامين مثلا. كركوك كانت الخط الأحمر بالنسبة لأنقرة، ووجود قواعد حزب العمال في جبال قنديل كان الرقم الصعب في العلاقات بين الجانبين. أما اليوم فنحن نتحدث عن فوائد قرار وقف النار الذي أصدره حزب العمال الكردستاني من جانب واحد وضرورة تمديد هذا القرار إفساحا في المجال أمام الجهود السياسية التي تبذل داخل تركيا.

تركيا تتغير حتما، فهدف أنقرة اليوم كما يبدو هو إعطاء الأولوية لمشاريع التعاون التجاري والخدماتي والإنمائي في شمال العراق - حيث أشرفت شركة تركية على التحضير لهذا المؤتمر وتنظيم أعماله كما قيل - تكون حصة الأسد فيه للجانب التركي طبعا، وليكون ذلك مقدمة لتحسين العلاقات وحل الخلافات السياسية وفي طليعتها موضوع وجود وانتشار قوات حزب العمال. أما هدف أربيل فيتمحور حول تمرير المواقف والمشاريع السياسية التي تريدها من خلال هذا التعاون الخدماتي التجاري المالي الذي ترى فيه ورقة جذب لأنقرة وللشركات والمؤسسات والفعاليات الاجتماعية والتعليمية التركية الموجودة هناك.

تركيا تتغير حتما، فالمشاركة التركية الواسعة في مؤتمر الحزب الكردستاني التي ضمت رجال الحكم وقيادة المعارضة على السواء إلى جانب التمثيل الدبلوماسي التركي ونواب حزب السلم والديمقراطية، ربما هي التي دفعت للتعتيم على خطاب بارزاني ومواقفه الفجائية وعدم مناقشتها والتعامل معها كما يجب من قبل وسائل الإعلام التركية.

تركيا تتغير حتما، ففيما كانت القيادات العسكرية والسياسية تتسابق قبل أعوام للتذكير بما لا يمكن قبوله في العراق وشماله، ها هو أحد نواب حزب السلم والديمقراطية المحسوب على الأكراد في تركيا حميد غيلاني مثلا يدعونا للاستفادة من الحالة القائمة في شمال العراق تركيا.. تركيا تتغير حتما، فالكاتب الإسلامي حسين غولارجا الذي قابل قبل أيام مجموعة من محامي عبد الله أوجلان، وقال إنه نادم على فعلته، ليس لأنه التقى هذه الهيئة، بل لأنه تسرع في قراره وتفرد به؛ حيث حاول البعض استغلال ما جرى للإساءة إلى فتح الله غولان الزعيم الروحي لحركة النورسية التي ينتمي غولارجا إليها.

لو قيل لنا قبل عامين فقط إن بارزاني سيعقد مؤتمرا عاما لحزبه وأن الوفود التركية السياسية والرسمية ستشارك فيه وتشيد بحجم الانفتاح والتعاون بين أربيل وأنقرة، لقلنا معلقين على هذه الدعابة: وهل كان هناك أي تمثيل لحزب العمال الكردستاني خلال المؤتمر؟