انقسام المصالح الباكستانية - الأميركية

TT

إسلام آباد - أشار مسؤول عسكري بالسفارة الأميركية هنا إلى خريطة باكستان، قائلا: «تلك هي المشكلة التي ينبغي التعامل معها»، ورسم دائرة كبيرة حول البلاد بأكملها. ومضى في حديثه، لكن مع رسم دائرة صغيرة حول المنطقة الحدودية المعروفة باسم شمال وزيرستان، وقال: «إننا نجابه خطر حصر التركيز على هذه المنطقة».

وأعرب المسؤول العسكري عن قلقه من أن النقاش الدائر داخل واشنطن حول باكستان بات شديد الولع بفكرة ضرورة مهاجمة الجيش الباكستاني لشمال وزيرستان لمنع متمردي «طالبان» من العبور إلى داخل أفغانستان، وهو طلب رأى أن الباكستانيين عاجزون عن تحقيقه نظرا «لانتشار قواتهم على مساحة بالغة الاتساع».

واستخدم الكلمات نفسها تقريبا مسؤول من إدارة الخدمات الاستخباراتية، وهي وكالة التجسس الباكستانية، أثناء حديثه معي حول السبب وراء عدم إمكانية شن هجوم جديد قريبا، بغض النظر عما ترغبه واشنطن. وأشار المسؤول إلى أن الجيش الباكستاني يقاتل داخل المناطق القبلية بضراوة منذ قرابة عامين، وأن «القتال أنهكنا».

وأوضح المسؤول، الثلاثاء، أن «شمال وزيرستان لا تمثل تهديدا كبيرا لنا. وإذا قمنا بشن هجوم ضدها الآن، سيتفاقم التهديد لباقي أرجاء البلاد. وستشتعل المناطق القبلية، ويصبح من المتعذر السيطرة على الموقف».

وكلما اشتدت ضغوط واشنطن كي يشن الجيش الباكستاني حملة قوية ضد المنطقة، يزداد رفض إسلام آباد. أما تفسير ذلك فبسيط، وهو أن مصالح الدولتين مختلفة على هذا الصعيد؛ ذلك أن أميركا، مع تمركز قوات لها بأفغانستان، ترغب في اتخاذ تحركات الآن. أما باكستان، التي تواجه حملة إرهابية بمختلف أرجائها، فترغب في التركيز على التهديدات الداخلية التي تواجهها. ويتهم السياسيون بكل دولة الدولة الأخرى بالنفاق وأنها غير جديرة بالثقة، مما يزيد الوضع سوءا.

وقال المسؤول الأميركي: «لدينا ميل مقيت نحو افتراض أن ما نهتم به هو ذاته ما يهتم به الباكستانيون»، موضحا أن مشكلة باكستان ليست أن لديها أجندة سرية، وإنما أن لديها «جيشا دمويا».

وأثار مسؤول الاستخبارات الباكستانية قضية حساسة تتمثل في الكبرياء الوطنية؛ حيث أوضح أنه «عبر الظهور بمظهر الجنود المرتزقة العاملين لحساب أميركا، ينحسر مستوى شعبية جيشنا».

هذا الأسبوع، تحظى الحروب الجاري شنها ضد الملاذات الإرهابية الآمنة في باكستان باهتمام بالغ. يُذكر أن آخر مراجعة أجراها الرئيس أوباما للحرب الأفغانية خلصت إلى أن «بعض التقدم المهم» تم إحرازه، لكن «لا تزال هناك تحديات قائمة وتهديد من الملاذات الآمنة بباكستان»، طبقا لما أعلنه روبرت غيبس، المتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض.

إلا أن تقديرين استخباريين، صدرا مؤخرا، حملا نبرة أكثر تشاؤما؛ حيث ذكرا أن الحرب «أمامها فرصة محدودة فقط للنجاح، إلا إذا تعقبت باكستان المتمردين المنطلقين من ملاذات آمنة على حدودها مع أفغانستان»، حسبما أوردت صحيفة «نيويورك تايمز».

وعلى الرغم من تفاقم مشاعر الفوبيا تجاه باكستان في واشنطن، يعتقد مسؤولون أميركيون رفيعو المستوى هنا أن الباكستانيين يتحركون في الاتجاه الصحيح، وإن كان ببطء شديد. وأشار أحدهم إلى أن الباكستانيين، على الرغم من توترهم الدائم تجاه الهند، ينشرون الآن 140 ألف جندي بالمنطقة الحدودية الشمالية الغربية، ما يفوق عدد القوات الأميركية بأفغانستان. وأكد أن القوات الباكستانية «منتشرة حاليا على أقصى مساحة ممكنة».

وأعرب المسؤول العسكري الأميركي، بينما كان لا يزال واقفا أمام الخريطة، عن اعتقاده أن على واشنطن أن تدرك أن الباكستانيين «عاجزون عن شن عمليات جديدة من دون قوات إضافية. وهذا ليس نقدا، وإنما حقيقة».

ونوه المسؤول بأن المؤسسة العسكرية الباكستانية فقدت ما بين 1500 و2000 جندي في معارك ضد المتطرفين، بينما يصل عدد المصابين إلى 3 أو 4 أضعاف هذا الرقم. أما الضحايا المدنيون، فتقدر أعدادهم بعشرات الآلاف. واستطرد، موضحا، أنه حال تعرض الولايات المتحدة لهذا العدد من الضحايا «ربما كنا سنطلق على الأمر الحرب الأهلية الأميركية الثانية».

الملاحظ أن القلق حيال الملاذات الإرهابية الآمنة تفاقم داخل واشنطن هذه الأيام عما عليه الحال بين القادة العسكريين الأميركيين في أفغانستان. من ناحيته، قال ميجور جنرال جون كامبل، الذي يقود قوات حلف «الناتو» بشرق أفغانستان، الأربعاء، داخل قاعدة بغرام الجوية إن إغلاق الحدود «ربما لا يحمل القدر ذاته من الأهمية» الذي يظنه الكثيرون؛ لأن قوات التحالف «تضغط باتجاه» باكستان. ونبه إلى أنه «حتى إذا نفذ الباكستانيون عملية ضخمة، فإنهم لن يتمكنوا قط من وقف هذا الأمر تماما».

لقد خاضت الولايات المتحدة قتالا ضاريا بما يكفي في أفغانستان. ومن بين السبل المؤكدة لزيادة هذه الحرب: سوء تصعيد الخلاف مع باكستان لمستوى الأزمة، أو إرسال قوات أميركية لداخل المناطق القبلية، تعبيرا عن مشاعر الإحباط الأميركية. المؤكد أنه من الأفضل التحلي بالصبر، والاعتماد على الطائرات من دون طيار والأصول الاستخباراتية الأخرى في مهاجمة الملاذات التي يحتمي بها المتمردون. وحال عدم التزام مسؤولي واشنطن بالحذر، فإنهم سيضرون أنفسهم عن دون قصد في خضم موجة غضبهم تجاه باكستان.

* خدمة «واشنطن بوست»