سامبا وتانغو والذي منه!

TT

العلاقات بين العالم العربي وأميركا اللاتينية قديمة ومتجددة في آن واحد، فقد كانت مقصد هجرة لعشرات الآلاف في بداية القرن العشرين من بلاد الشام تحديدا، واستوطنوها وعملوا وبرعوا فيها، ففي السياسة وصل لرئاسة الجمهورية كارلوس منعم في الأرجنتين وعبد الله بوكرم في الإكوادور وباولو معلوف حاكما لساو باولو، كبرى مقاطعات البرازيل. وفي عالم الأعمال تألق كارلوس غصن في البرازيل، ليصبح أحد ألمع التنفيذيين في العالم ويترأس شركتي «نيسان» و«رينو» لصناعة السيارات في آن واحد، وكذلك بزغ نجم سليم الحلو في المكسيك ليصبح أثرى رجل أعمال في العالم اليوم، بالإضافة لبعض نجوم الفن مثل سلمى حايك وشاكيرا وبولا عبدول.

العرب الأوائل كان لديهم إحساس مهم بأن أميركا اللاتينية ملاذ آمن لهم، وفرصة لبداية جديدة، حتى إن بلدا مثل تشيلي، مثلا، استطاعت أن تكون مركزا لتجمع مسيحيي فلسطين الذين تفنن الإسرائيليون في تهجيرهم بشكل مقنن ومنظم لإفراغ أرض المسيح من مسيحييه. كان هناك شغف عربي كبير بأدب أميركا اللاتينية فعشقوا فن رواية ماركيز بواقعيته وتعرفوا على كولومبيا من خلال حروف كتاباته، وتعرفوا على عوالم البرازيل من خلال كلمات باولو كويلهو، ودنيا تشيلي من خلال صفحات إيزابيل الليندي. وعشقوا وفتنوا بالثائر تشي جيفارا، ذلك الارجنتيني الملهم، فغنى له الشيخ إمام من كلمات رفيق دربه أحمد فؤاد نجم وأطلقوا اسم سيمون بوليفار، بطل الاستقلال اللاتيني المشهور، على ميادينهم وشوارعهم في أكثر من عاصمة عربية، وطبعا بقوا مفتونين بفرق البرازيل والأرجنتين وعشقوا موسيقى السامبا والتانغو من خلال متابعاتهم لهم، وبشكل ساخر وطريف تحول تجار لبنان إلى أحد أهم مروجي أشهر علامات الرأسمالية، ذلك السيجار الكوبي الفاخر المقبل من آخر معاقل الشيوعية والاشتراكية بهافانا في مشهد متناقض وغريب!

لذلك كانت مفاجأة جميلة وسارة عندما أعلنت البرازيل والأرجنتين والأوروغواي وبوليفيا اعترافها بدولة فلسطين دولة مستقلة وحدودها كما كانت يوم الرابع من يونيو (حزيران) عام 1967، وشكل هذا الاعتراف المتواصل (الذي كان بمثابة رأي عام لاتيني) صدمة وصفعة للدبلوماسية الإسرائيلية، التي كانت تعتقد أنها، لفترة طويلة جدا، لديها الثقل الكافي في القارة اللاتينية لتمنع قرارا كهذا، لكن رفض إسرائيل لكل مبادرات السلام واستمرارها في نهجها العدواني من جهة وتوسعها الاستعماري والاستيطاني من جهة أخرى وتزايد الغضب الشعبي حول العالم إزاء كل تصرفاتها لم يوجد للساسة هناك مخرجا سوى الاعتراف بدولة فلسطين ككيان مستقل، وعلى الرغم من أن المسألة شكلية ورمزية فإن اعتراف دول مهمة - مثل البرازيل (إحدى أهم الدول الاقتصادية اليوم في العالم ورمز من رموز السوق الناشئة الناجحة)، والأرجنتين، أحد كيانات العالم الجديد المؤثرة - يلقي بثقل كبير في عوالم الدبلوماسية ويرسل رسالة أن الحراك الجديد في صناعة القرار العالمي أصبح له شكل جديد واستباقي ولم يعد تابعا كما كان، وهناك تكمن الفرصة لكشف الأكاذيب والحيل الإسرائيلية وفضحها (وما أكثرها!) أمام منابر البرلمانات والإعلام في دول العالم حتى يُكتب للقضية الفلسطينية تحديدا والعربية عموما صوت جديد.

العلاقة العربية - اللاتينية أخذت بعدا أخلاقيا مميزا مع اعتراف بعض الدول، ذات الوزن الثقيل في أميركا الجنوبية، بالدولة الفلسطينية، وهي مرحلة، وليست نهاية المطاف، تستوجب المزيد من البناء على ما تم.

[email protected]