العالم الأول

TT

ثمة عالم وثمة عالم آخر، من دون أن نتكبد عناء الترقيم: أول، ثان، رابع عشر. ولكل عالم ملامحه الواضحة. وإذا شئت: فالفاضحة. أو أيضا: الناضحة. هناك عالم تنتمي إليه ساحل العاج، ولست أدري ما هو ترتيبه، وهناك عالم منه البرازيل. في ساحل العاج يرفض لوران غباغبو نتائج انتخابات الرئاسة، ومواقف دول العالم. ويصر على البقاء رئيسا، فيما تنزلق البلاد سريعا إلى حرب أهلية طاحنة، مسلمين ومسيحيين، شمالا وجنوبا، ومجموعة جذور قبلية، ونحو 5 لغات مختلفة.

كان مفترضا أن يصبح الحسن وتارا رئيسا عام 2005، لكن غباغبو ألغى شرعية الانتخابات متذرعا بأن وتارا من بوركينا فاسو المجاورة، ويحمل جنسيتها. في البرازيل حان موعد ذهاب الرئيس فمضى. وانتخبت مكانه سيدة من أصول فرنسية، فتسلمت مهامها في اليوم والساعة. ولا حرب أهلية في البرازيل وإنما فقط منافسة ودية مع ساحل العاج على أسواق البن والكاكاو.

وهناك العالم القانوني الدستوري الديمقراطي البرلماني الجمهوري الثوري، الذي ننتمي إليه في العالم العربي. كل نظام ملكي بائد حل مكانه نظام ثوري أسري خالد. في السودان ذهبنا - والحمد لله - إلى الانتخابات، وقهرت الثورة أعداءها. وفي مصر أدركوا أن الناس «ما تحبش» المعارضة فألغوها. وها نحن في اليمن نعطي الدستور أبهى معانيه؛ فنحيل على البرلمان المنتخب تعديلا يقضي بترئيس الزعيم إلى الأبد، تفاديا لنزاع يقع ذات يوم على غرار نزاع ساحل العاج.

هذه هي ميزة العالم الذي ينتمي إليه العرب: الفطنة والقدرة على الاستباق ومعرفة رغبات الجماهير. ولكن دائما من ضمن الدستور والقانون، وإرسال التحية إلى شعب أمتنا العظيم.

ما هذه المصادفة التي تجمع في أسبوع واحد صمود غباغبو، وهبوب رغبة الشعب اليمني في التخليد، ووصول امرأة إلى رئاسة البرازيل قادمة من عمل اجتماعي سياسي طويل؟ لا ندري. ثمة خبث في التوقيت، المقصود منه التعرض لمكاسب الثورة المجيدة في اليمن، ولروح الإنسانية السمحة عند لوران غباغبو.

متى تبرز نزوة الخلود والسرمدة في نفوس الثوار؟ عندما يستتب للرعية كل شيء: الوحدة محصنة ومصونة. الازدهار يلعلع في السهول وفي الجبال وفي البحار. الرضا الكلي يفرج الصدور، من جنوب إلى جنوب، ومن شمال إلى غرب. وعندما الناس في دواخلها لا تعود تعرف كيف تعبر عن فرحها وولائها وامتنانها لما هي عليه من عز وبهجة ونعمة وتقدم.

البرازيل؟ ما لنا وللبرازيل. بعيدة ولا علاقة لها بالأبديات الديمقراطية. نحن وحدنا العالم الأول. لنا اليوم والغد ومجده المخلد؛ قال الشاعر.