الظاهر أنني بدأت أخرف

TT

جمعتني الصدفة المحضة - لاحظوا كلمة (المحضة) - بالسيد عبد الله فدعق، وأكرم به من رجل، لأنه على الأقل يعزف على نفس الوتر الذي أعزف أنا عليه، لكن رغم عزفنا المتواصل ذلك فإننا لم نجد هناك من يغني ويرفع عقيرته بالمواويل على إيقاع عزفنا على طريقة (الحجاز كار)، ناهيك عن (البنجكاه).

بعد هذا الفاصل الفني اسمحوا لي أن أدخل في الموضوع:

فقد علمت من السيد أنه احتفظ (بالحبل السري) لابنه البالغ الآن من عمره أربع سنوات، وأن هناك جهة مسؤولة وظيفتها هي الاحتفاظ بهذه الحبال لمن أراد لقاء مبلغ معين لا يتعدى (50) دولارا في العام الواحد، وميزة ذلك الحبل أنه يحتوي على (الخلايا الجذعية) التي لديها القدرة على الانقسام (غير المحدد) في المزارع الخلوية لتعطي في ما بعد خلايا متخصصة توفر علاجا لعدد كبير من الأمراض المستعصية، كما أنها يمكن تنميتها وتكثيرها بكميات كبيرة.

عندما وصل حديثه معي لهذا الحد، تذكرت نصيحة أسديتها لإحدى السيدات، أن تحتفظ (بالحبل السري) لمولودها الذي سوف ينزل إلى هذه الدنيا بعد شهر، ومر على نصيحتي وحديثي معها أكثر من عام، وعندما جمعتني بها مناسبة بعد ذلك سألتها عن مولودها وهل فعلت ما أشرت لها، فقالت: «حاولت ذلك بشتى الوسائل غير أن زوجي عندما عرف أنه لا أحد يستفيد في المستقبل من تلك (الخلايا الجذعية) غير المولود وإخوته وأمه دون الأب، رفض الاحتفاظ به قائلا لي بالحرف الواحد: اشمعنى انتم بس وأنا لا؟!.. لهذا ارموا بالحبل السري لمولودنا في صندوق النفايات»، طبعا تأسفت لكلامها ذاك، بل وحزنت حزنا مضاعفا.

وإنني من على منبري الهزيل هذا، أتمنى على وزارات الصحة في جميع البلاد العربية أن تفرض فرضا إلزاميا على جميع مستشفيات الولادة أن تحتفظ بحبال المواليد، وترقّمها وتجعلها (كالبصمة) يمكن الرجوع إليها كلما دعت الحاجة إلى ذلك، فحيث انها فاتت علينا، يجب ألا تفوت على أبنائنا.

إنني بكلامي هذا لا أمزح، فالخلايا الجذعية يا قوم هي الأمل الوحيد، وأكرر: هي الأمل الوحيد في المستقبل لعلاج الإنسان من الأمراض المستعصية. إنها من دون أي مبالغة الثورة الدوائية الخلاقة التي لم تكن تخطر على البال، من أول ما عرف الإنسان وسائل العلاج ابتداء من (الكي)، وانتهاء بحبة (الأسبرين).

كما أنني أرجو وأتعشم أن يجدوا حلا لآلاف (المتوفين دماغيا)، لكي يستفيد آلاف الأحياء الذين تتوقف حياتهم على أعضاء المتبرعين.فالميت دماغيا، الذي يعيش فقط على الأجهزة الموصولة بجسده، هو أشبه ما يكون بجثة في ثلاجة، لو أخرجت منها لتعفنت وتحللت، فلماذا نحرم من احتاج لكبد، أو قلب، أو رئة، أو كلية، أو حتى لخصية؟! وإنني على رؤوس الأشهاد، من دون أن يضرب أحد على يدي، أعلن وأرجو لو أنني يوما أصبت بسكتة دماغية - وبعيد الشر - وأصبحت جثة حية تعيش فقط على الأجهزة، أرجو أن تنزعوها مني بسرعة قصوى، وأنا متبرع بكامل أعضائي - هذا إذا كانت صالحة للاستخدام الآدمي.. إنني متبرع بها عن بكرة أبيها ما عدا قلبي العليل لأنه العضو الوحيد الذي لا أستطيع الاستغناء عنه حتى في مماتي، لأنه هو العضو الوحيد الحافظ لذكرياتي وأسراري ولمجوني البريء الذي لم يتوقف عن ذلك ولا حتى ليوم واحد من أول ما عرفت نفسي وعرفت لذة الحياة و(حركاتها).

وقبل أن أختم أتمنى أن ينظر لعملية (الاستنساخ) نظرة شجاعة، فيحق لكل رجل عقيم، ويحق لكل امرأة لم تتزوج، ويحق لكل إنسان أن يستنسخ من نفسه كائنا حيا، حتى لو كان ذلك المخلوق من دون أم أو أب أكيد. الظاهر أنني بدأت أخرف، وهذا هو أول أعراض (الزهايمر).

[email protected]