النصارى؟

TT

لا أحبذ الدخول في نقاش مع القراء، ليس انتقاصا، وإنما من باب إفساح المجال لوجهات النظر، وحفظ حق القارئ في أن يعبر عن رأيه، إلا أن رسالة وردت من قارئ استوقفتني كثيرا، حيث أرسل معلقا على مقال الأمس «إلى المصريين: قفوا وقفة صدق» قائلا: «لي أيضا وقفات مع هذا المقال وكاتبه صاحب النظرة من الاتجاه الواحد».

يقول القارئ، بملخص رسالته، «لماذا تتحدث عن العملية الإرهابية ولا تتحدث عن مسبباتها، لا أريد أن أبرر هذا العمل الإرهابي، ولكن ألا ترى أن محاولة تقوية النصارى في مصر ومغازلتهم من قبل النظام ليس حبا فيهم ولكن فقط من أجل إضعاف الإسلاميين», مضيفا أن من شأن ذلك أن يحرق الجميع! وهذا تحديدا ما أفزعني بالرسالة، فأيا كان الاختلاف، والانتقاد، للحكومة المصرية، أو غيرها من الحكومات، فهل هذا كلام مقنع؟ بالطبع لا، خصوصا أن القارئ يختم: «المسلم الحق هو من يجعل الإسلام منهجا شاملا لحياته فنحن جميعا نفتخر مع الشيخ القرضاوي بما تحقق وليس وحده».

وهنا لن أخوض في جدال ديني، أو سياسي، ولكن لماذا لا نستحضر قصة درسناها في مدارسنا، وسمعناها من مشايخنا مرارا لنرى كيف أننا نهدم بيوتنا بأيدينا، فالقارئ يقول إن النظام يتقرب إلى «النصارى» في مصر لإضعاف الإسلاميين، ومن سماهم القارئ بالنصارى ما هم إلا جزء من مصر، وليس اليوم، بل منذ فجر الإسلام النقي. وهنا مربط الفرس.

فالقصة التاريخية العظيمة تقول إن قبطيا سافر من مصر إلى المدينة المنورة ليشكو للخليفة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ابن فاتح مصر وأميرها عمرو بن العاص لأنه ضرب ابنه. وعلى الفور أحضر الخليفة عمر بن الخطاب أمير مصر وابنه محمد إلى طيبة الطيبة، واقتص للقبطي، وقال وقتها الخليفة الفاروق مقولته العظيمة: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا». فلمن كان يتقرب الخليفة الفاروق وقتها، هل للنصارى، كما يقول القارئ، أم لقوى علمانية؟

حاشا، بل كان الخليفة عمر بن الخطاب أقرب إلى العدل، وهو أقوم، كان الخليفة الراشد يحفظ الذمم، ويحافظ على السلم، ويعصم الدماء. فهل هذا هو الإسلام الذي يقصده من يقولون بأن الإسلام هو الحل؟ أشك، ما دمنا نرى هذا مصريا نصرانيا، وهذا مصريا مسلما، أو ذاك سنيا، وهذا شيعيا، وهكذا، فلو نهجنا هذا النهج لما بقي لنا أمن في أوطاننا، ولما بقيت لنا أوطان أصلا.

ولذا نقول إننا في معركة أفكار مرعبة، خطرها يتهدد أمننا ومستقبلنا، وما لم يتم التصدي لهذه الأفكار وتصحيحها من قبل مؤسسات الدولة، بكافة مرافقها في العالم العربي، وتنمية حس المواطنة، فإن القادم أشد خطرا. واجبنا أن نحافظ على حق العيش المشترك، وعصمة الدماء، وواجبنا أن نصحح المفاهيم كل صباح ومساء.

حذرنا مما حدث في العراق، وها هو اليوم يصل إلى مصر، ولا نعلم إلى أي مدى يذهب هذا الشر، ولذا فهذه دعوة للعقلاء بأن يجعلوا صوتهم أعلى من صوت التطرف والمتطرفين.

[email protected]