كيف نحافظ على صداقتنا مع الصين؟

TT

الزيارة التي يقوم بها الرئيس الصيني هو جينتاو لواشنطن هذا الشهر ستكون الزيارة الأكثر أهمية لمسؤول صيني رفيع المستوى للولايات المتحدة منذ زيارة دنغ شياوبنغ التاريخية إلى واشنطن قبل 30 عاما. ومن ثم ينبغي أن تسفر الزيارة عما هو أكثر من التصريحات النمطية بالتقدير المتبادل بين الدولتين. وضروري أن تهدف إلى وضع تعريف لعلاقة البلدين يبرز الوعد العالمي بتعاون بناء بين البلدين.

ما زلت أذكر زيارة دنغ جيدا، لأنني كنت حينها مستشارا للأمن القومي، والتي تمت إبان حقبة التوسع السوفياتي وبلورت الجهود الأميركية - الصينية في معارضة ذلك. كما كانت إيذانا ببدء التحول الاقتصادي الصيني الذي امتد على مدى ثلاثة عقود، والذي يسرته علاقاتها الدبلوماسية الجديدة مع الولايات المتحدة.

تأتي زيارة الرئيس هو جينتاو في مناخ مختلف، فهناك شكوك متنامية بشأن حالة العلاقات الثنائية، ناهيك عن المخاوف في آسيا بشأن طموحات الصين الجيوسياسية بعيدة المدى، حيث تلقي هذه الشكوك بظلالها على الاجتماع المقبل.

وقد شهدت الأشهر الأخيرة زيادة مطردة في الجدل في كل من الولايات المتحدة والصين، مع اتهام كل طرف للآخر بانتهاج سياسات اقتصادية تتعارض والقواعد الدولية المقبولة، فوصف كل منهما الآخر بالأنانية، وازدادت حدة الخلافات القائمة بين المفاهيم الأميركية والصينية حول حقوق الإنسان إثر منح جائزة نوبل للسلام لعام 2010 لمعارض صيني.

علاوة على ذلك كثف كل منهم دون قصد من الشكوك تجاه الآخر. فقد حفز قرار واشنطن بمساعدة الهند في الطاقة النووية من القلق الصيني، ليزيد الدعم الصيني لباكستان في توسيع برنامجها النووي. كما خلق غياب القلق الصيني بشأن المناوشات العنيفة لكوريا الشمالية كوريا الجنوبية فهما حول سياسة الصين تجاه شبه الجزيرة الكورية. ونظرا لأن أحادية الولايات المتحدة أثارت ضيق بعض الأصدقاء خلال السنوات الأخيرة على نحو غير ضروري، فإنه يجب أن تعلم الصين أن بعض مواقفها الأخيرة أثارت قلق بعض جيرانها.

ستكون النتيجة الأسوأ لاستقرار طويل الأمد في آسيا والعلاقات الأميركية - الصينية الانجراف تجاه تصعيد التشويه المتبادل. وربما كانت النتيجة الأكثر من ذلك هي أن الإغراءات باتباع مثل هذا المسار يتوقع أن ينمو مع مواجهة كلا البلدين صعوبات داخلية.

الضغوط حقيقية. فالولايات المتحدة بحاجة إلى تجديد داخلي شامل، في العديد من النواحي، منها على سبيل المثال تلك التي تحملت تكلفة أعباء شن حرب باردة على مدى أربعين عاما، وكذلك تكلفة إهمالها خلال الـ20 عاما لأدلة متراكمة على تجاهلها الداخلي. فالبنية التحتية المتهالكة أصبحت تشكل عرضا على تراجع البلاد في القرن العشرين.

وفي الوقت ذاته تناضل الصين لإدارة اقتصاد محموم داخل نظام سياسي غير مرن. وتحمل تصريحات بعض المعلقين الصينيين نبرة الانتصار السابق لأوانه بشأن التحول الداخلي والدور العالمي للصين، (وربما يجدر بهؤلاء المسؤولين الصينيين الذين لا يزالون يتبنون مبادئ الماركسية بقوة قراءة رسالة ستالين إلى أقطاب الحزب، التي كتبها في الثلاثينات تحت عنوان «الانخداع بالنجاح»، مرة أخرى)، والتي حذرت من «روح الخيلاء والغرور».

بعد ثلاثين عاما من بداية علاقة تعاون مشترك يجب على الولايات المتحدة والصين ألا تحجما عن مناقشة اختلافاتهما في المحادثات التي تستمر قرابة أسبوعين، بل عليهما أن تقوما بها مع الاعتراف بأن كل منهما في حاجة إلى الأخرى. والفشل في تعزيز وتوسيع مدى التعاون بين الجانبين لن يدمر الدولتين وفقط بل العالم ككل. فلا ينبغي على أي من الجانبين أن يخدع نفسه بأنه قادر على تجنب الضرر الذي يسببه العداء المتبادل، بل يجب على كليهما أن يدرك أن أزمة في أحدهما يمكن أن تضر بالآخر.

وكي تكون الزيارة أكثر رمزية ينبغي على الرئيسين أوباما وهو جينتاو القيام بجهود جادة لصياغة المقومات التاريخية للتعاون الأميركي - الصيني المثمر في بيان مشرك. كما يجب عليهما أيضا توضيح المبادئ التي ينبغي السير عليها. والإعلان في الوقت ذاته عن التزامهما بالتأكيد على أن الشراكة الأميركية الصينية ينبغي أن تضطلع بمهمة أوسع نطاقا من المصلحة الذاتية. وأن تلك الشراكة يجب أن توجهها الضرورات الأخلاقية للترابط العالمي غير المسبوق في القرن الحادي والعشرين.

ينبغي أن يدشن الإعلام حملة لتعريف الأهداف السياسية والاجتماعية والاقتصادية العامة. وينبغي الاعتراف صراحة بحقيقة بعض الاختلافات إلى جانب التأكيد على تصميم مشترك للبحث عن سبل لتضييق هوة تلك الاختلافات. ويجب أن يضع في حسابه أيضا التهديدات المتوقعة للأمن في المجالات ذات المخاوف المتبادلة والتزام كلا الجانبين بتعزيز المشاورات والتعاون في التأقلم معها.

مثل هذا الميثاق المشترك يجب أن يقدم، في حقيقة الأمر، إطار عمل لا أن يتجنب ما يمكن أن يصبح تحت بعض الظروف منافسة عدائية، ويوسع في الوقت ذاته من تعاون فعلي بين الولايات المتحدة والصين، وهو ما من شأنه أن يحقق العدالة لعلاقة حيوية بين دولتين كبيرتين تحمل كلتاهما تاريخا وهوية وثقافات مختلفة، على نحو كبير، عن الذي تحظى بها كلتاهما بدور عالمي تاريخي هام.

* مستشار الأمن القومي

في عهد إدارة جيمي كارتر

* خدمة «نيويورك تايمز»