آخر من ابتلي بالشيوعية

TT

عادت كوريا الشمالية لتصرفاتها الافتزازية. لا بد أن يكون شعبها قد دخل مرحلة جديدة من العذاب والمعاناة. فهذا ما تلجأ إليه الأنظمة الشيوعية كلما تخبطت في فشلها. أما آن للمجموعة الدولية أن تقوم بشيء لإنقاذ هذا الشعب المعذب في هذه القلعة الأخيرة من قلاع الشيوعية؟ ولكن لا يوجد في كوريا نفط ولا أي ثروة طبيعية ولا تشكل خطرا على إسرائيل، ليتحرك الغرب لتحريرها. إنها خير مثال على رياء ونفاق الحكومات الغربية.

الشيوعية حلم أرجواني طالما حلمت به البشرية وبشرت بطموحاته الأديان والفلسفات.. عدالة ومساواة وحرية، غذاء وكساء ودواء للجميع، من كل حسب قدرته لكل حسب حاجته، اعتماد العقل والعلم والفن الجميل في بناء الدولة وحياة المجتمع، وهلم جرا. خطر للإنسان أن يجرب ذلك في القرن الماضي، وإذ بتجربته تنتهي بأفظع النتائج. المؤلم أن هذا الحلم الجميل تولى تحقيقه أناس غارقون في مشاعر الحقد والحسد والعنف والثأر والانتقام والبارانويا. ضاعف مشاعرهم هذه تعرضهم للاضطهاد والسجن والحرمان والتعذيب والتشريد. بالطبع لم تكن لهم أي فكرة أو خبرة في إدارة الدولة. فأدى فشلهم وتخبطهم إلى المزيد من هذه المشاعر البارانوئية.

التقيت بنفر منهم في عراق ما بعد انقلاب 1958، فروعتني شخصيتهم وقلبتني ضدهم وضد فلسفتهم وحفزتني لترك العراق.

لسوء الحظ أن التجربة الشيوعية لم تقع في الدول الغربية الديمقراطية، وعلى الخصوص بريطانيا التي توقع لها ماركس أن تشهد أول ثورة عمالية، وإنما جرت في دول همجية لم تذق في تاريخها طعم الديمقراطية والشرعية فسار حكامها الشيوعيون بوحي ما تعلموه وتعودوا عليه. يعتقد البعض أنه كان من الممكن للشيوعية أن تنال حظا أكبر من النجاح لو أنها طبقت أولا في غرب أوروبا وليس في شرقها وفي دول «تعبانة» مثل كوبا واليمن الجنوبي.

زاد الطين بلة أن قيام الشيوعية في هذه الدولة العظمى، روسيا، مكنها عن طريق منظمة «الكومنترن» الأممية أن تفرض نمط سلوكها على كل الدول والأحزاب التي دخلت تحت مظلة الشيوعية. فحيثما رفعت الراية الحمراء جرت الدماء سفاحا وماتت الحريات وحقوق الإنسان وانهار الاقتصاد الوطني واختفت الكفاءة وآلت حياة المجتمع إلى ما يعانيه شعب كوريا الشمالية الآن. وعندما كسر تيتو هذا النطاق فرض عليه ستالين (مجرد إسكافي ربي ليكون راهبا) الحصار والمقاطعة.

السؤال الآن: متى وكيف سينزل الشعب الكوري الشمالي علم الثورة من هذه القلعة الأخيرة للشيوعية ويسدل الستار على هذه المسرحية الكوميدية التراجيدية؟ بيد أن الماركسية تحشر نفسها في كل مكان. فرغم فشلها سياسيا واقتصاديا فإنها تركت ظلالها في شتى الميادين. من ذلك نشر الروح العلمية والعقلانية، التأكيد على التعليم، دحر الخرافات، التفسير العلمي الديالكتيكي للتاريخ، تحرير المرأة، المساواة، العصرنة، إنصاف الطبقة العاملة، رعاية المستضعفين، تأميم الخدمات الاجتماعية، إلخ. كل هذه في الواقع قيم ليبرالية ولكن الماركسيين نجحوا أكثر من غيرهم في غرسها في نفوس البسطاء والشعوب المتخلفة.