رحيل عميد الخيال العلمي العربي

TT

«قراءة الخيال العلمي أمر لازم للمستقبل» (كاتب المستقبليات الأميركي ألفين توفلر في كتابه «صدمة المستقبل»)

«القراءة النقدية لأدب الخيال العلمي، هي بمثابة تدريب أساسي لمن يتطلع إلى الإمام أكثر من عشر سنوات» (كاتب الخيال العلمي البريطاني آرثر سي كلارك صاحب فكرة أقمار الاتصالات الصناعية)

إذا كان كاتب الخيال العلمي الأميركي «روبرت هينلين (1907 - 1988) يلقب بعميد كتاب الخيال العلمي الأميركي، فإن كاتب الخيال العلمي المصري نهاد شريف، الراحل مؤخرا في الرابع من يناير (كانون الثاني) الحالي، يلقب بعميد كتاب الخيال العلمي العرب.

يعد نهاد شريف المولود عام 1930 من كتاب الخيال العلمي العرب الأوائل والقلائل والرواد الذين أخلصوا لهذا الجنس الأدبي الراقي، حيث إنه لم يكتب نوعا أدبيا آخر، فقد أولى اهتمامه لأدب الخيال العلمي، فأنتج كثيرا من الأعمال الروائية والقصصية والمسرحية؛ من أشهرها روايته الأولى «قاهر الزمن» التي تحولت لأول فيلم سينمائي عربي جاد في الخيال العلمي، ويقول نهاد شريف إنه من أجل كتابة هذه الرواية قرأ ما لا يقل عن 300 كتاب حتى يصل لحقيقة التجميد التي تدور حولها فكرة روايته.

لم يعد الخيال العلمي (Science fiction) وسيلة ترفيه وتسلية، بل يعد الآن، خاصة في الدول المتقدمة، من أهم الوسائل التربوية والتعليمية الحديثة والضرورية للإبداع والفكر ولغرس حب العلم وإعداد العلماء والمبدعين، والاستعداد لمواجهة صدمات وتحديات الحاضر والمستقبل.

ولكن لو نظرنا سريعا لواقع أدب الخيال العلمي في عالمنا العربي، لوجدنا أنه مهمش ونادر وما زال متواضعا من حيث الإنتاج وقلة الكتاب المختصين، كما لا توجد لدينا قاعدة أو خلفية علمية منظمة لاستقباله وإنتاجه، كما لا توجد لدينا قاعدة لنشره ولا حركة نقدية جادة يمكن أن تعرف به وبكتابه المبدعين، وبالتالي تساعد على ذيوعه وانتشاره.

في كتابي (بالاشتراك) من تقديم عالم الفضاء والجيولوجيا الدكتور فاروق الباز بعنوان «الخيال العلمي وتنمية الإبداع» الصادر عام 2006 عن «ندوة الثقافة والعلوم» بدبي، وفي فصل «الخيال العلمي في الأدب العربي» تناولت أسباب عدم انتشار وذيوع الخيال العلمي في عالمنا العربي، حيث قال نهاد شريف إن أزمة الخيال العلمي ليست دور نشر؛ بل في عدم إدراك أهمية العلم، حيث لم يحتل عندنا العلم مكانته بعد، وما يوجد في الساحة الأدبية الآن مثل القصص البوليسية هو نوع من قصص الفانتازيا، أي الخيال الجامح الذي لا يرتبط بالعلم ولا يمكن أن نطلق عليه أدب خيال علمي، لأن الخيال العلمي يبدأ من حقيقة علمية لم يتم استكمالها، كما أن ندرة كتاب هذا النوع في أدبنا المعاصر ترجع لصعوبته من ناحية؛ ولوجوب اتسام هؤلاء الكتاب بالثقافة العلمية من ناحية أخرى، وقبل ذلك امتلاك مخيلة غير عادية، فالكتابة في الخيال العلمي تحتاج لبحث وتنقيب في مختلف فروع المعرفة، فكاتب الخيال العلمي لا بد أن يراجع الأبحاث ويقرأ المراجع ويبحث في الإنترنت ويسأل المختصين حتى يتأكد من الجزئية العلمية التي يكتب فيها.

ويمكن القول إن من أسباب عدم انتشار وذيوع الخيال العلمي في عالمنا العربي، أن كاتب هذا النوع الأدبي يجب أن يكون ملما وفي تواصل مستمر مع التطورات العلمية والتكنولوجية الحديثة والمتسارعة، ومع الثقافة العلمية المتخصصة، التي هي مادته، وهو ما يفتقده الأديب العربي، كما أن عالمنا العربي يعاني من عدم معرفة ماهية أدب الخيال العلمي وأهميته، كما أن قارئ أدب الخيال العلمي يحتاج إلى مجهود ذهني كبير لفهمه واستيعابه والتجاوب معه، وهو ما يفتقده القارئ العربي. ونظرا لاختلاط أدب الخيال العلمي الجاد بالفانتازيا (أي الخيال الجامح الذي لا يتقيد بحدود وليس له قواعد في كتاباته)، فقد اعتقد البعض خطأ أن الخيال العلمي هو أيضا خيال فانتازي، وبالتالي لا يستحق في رأيهم الاهتمام والعناية به.

وأخيرا.. النهوض بأدب الخيال العلمي في عالمنا العربي يحتاج إلى الإسراع في إعداد مشاريع عربية متميزة؛ من بينها نشر وتبسيط العلوم وفهمها والاستفادة منها على أوسع نطاق، خاصة الموجهة للأطفال والشباب، وإدراك أهمية تخصيص دور ومكتبات ومؤسسات النشر العربية سلاسل متخصصة في نشر الأعمال المرتبطة بالعلم والخيال العلمي والدراسات المستقبلية العربية والأجنبية المؤلفة والمترجمة، خاصة التي تتناول اتجاهات وتطورات العلوم الحديثة مثل الروبوتات والذكاء الصناعي والنانوتكنولوجي (التقنيات متناهية الصغر) والفضاء الإلكتروني، وذلك لتشجيع الكتاب والأجيال الناشئة على الاهتمام بهذا الأدب، لإعدادهم جيدا للكتابة في هذا المجال، مع تخصيص مسابقة سنوية في الخيال العلمي باسم الكاتب نهاد شريف في عدد من المحاور: تأليف، ترجمة، رواية، قصة، نقد. يصاحبها ورش عمل وندوات ومعارض بمشاركة أدباء ومثقفين من أنحاء الوطن العربي، وغير ذلك من مشاريع ترفع من قيمة وأهمية هذا الجنس الأدبي الذي يحظى حاليا بالاهتمام المتزايد في دول العالم المتقدمة.