فولة وانقسمت نصين!

TT

توطدت العلاقة السطحية بيني وبين أحد الحلاقين، وبدأت أستلطفه رغم كثرة كلامه (ورغيه) الذي لا يخلو من المجون أحيانا، لهذا أصبحت أتردد عليه كلما تسنى لي ذلك، سواء كنت أريد أن أحلق، أو مجرد (تضييع وقت) من أجل الدردشة لا أكثر ولا أقل. والحق يقال إنه ما إن أدخل إلى محله حتى يرحب بي بحرارة، محاولا أن يأخذني بالأحضان، فأصده بلطف مخافة العدوى من أي زكام محتمل لا سمح الله، وسرعان ما يضيفني بقهوة، أو يانسون، أو ما شابه ذلك.

وكثيرا ما سألته، وكثيرا ما حدثني هو عن المواقف المحرجة التي تعرض لها في صالونه، منها مثلا ما قاله لي:

دخل علي يوما رجل ومعه طفل لا يتجاوز السادسة من عمره، وجلس الرجل على الكرسي طالبا مني أن أحلق رأسه، وبعد أن انتهيت طلب مني أن أحلق ذقنه ثم أن أنتف الشعرات من أذنيه ومنخريه، وبعد أن انتهيت تناول قارورة (الكولونيا) وضمخ بها وجهه وسكب منها كثيرا على ثيابه، ثم وقف ورائحة الطيب تفوح منه شاكرا لي على حسن أدائي، ثم صاح بالطفل قائلا: تعال يا ولد، وحمله وأجلسه على الكرسي طالبا مني أن أحلق رأسه ثم أغسله وأرجله، ثم استأذن مني قائلا: إنني سأذهب لمدة ربع ساعة لأتناول مشروبا في (القهوة) المجاورة إلى أن تنتهي، وسوف أحاسبك إذا عدت، ثم خرج.

وبعد أن انتهيت من حلاقة الطفل نزل عن الكرسي وتفاجأت به يفتح الباب لكي يخرج، فأمسكت به قائلا: انتظر حتى يأتي أبوك. فقال لي: إنه ليس أبي، وأنا لا أعرفه، وهو استوقفني وسألني إن كنت أريد أن أحلق رأسي ببلاش، فوافقته على ذلك، وأتى بي إلى محلك. وتركته يخرج بعد أن عرفت أنني وقعت في شراك نصاب!

وما إن شاهدني الحلاق أضحك من هذا الموقف الذي حصل له حتى قال لي: إن موقفا آخر حصل لا يقل (لآمة) عن هذا الموقف، فقد أتى لي أحد الشباب طالبا مني أن أحلق ذقنه حلاقة ناعمة، على حد تعبيره، زاعما أن لحيته تنمو بسرعة عجيبة، وهو يضطر إلى حلاقتها كل ساعتين من سرعة نموها!

فأخذت كلامه مأخذ الهزل، معتقدا أنه يمزح.

وتفاجأت به يتصنع الغضب لأنني لم أوافقه على كلامه، وما كان منه إلا أن مد لي يده قائلا: إذا لم تصدقني فراهني على أن أرجع لك بعد ساعتين، وسوف تشاهد شعر لحيتي عاد كما كان.

فرددت عليه ساخرا إذا نمت لحيتك خلال ساعتين، فإنني على استعداد أن أحلقها مجانا.

وبعد أن انتهيت من حلاقته خرج، وما هي إلا أقل من ساعتين وإذا به يعود، وكاد يغمى علي من هول المفاجأة، إذ إن وجهه عاد فعلا ممتلئا بالشعر، ثم قال لي: والآن هل صدقتني؟! وبعدها جلس على الكرسي.

وتعمدت أن أشد لحيته لأتأكد إن كانت حقيقية أم تركيبة، فتململ متألما يسألني ماذا أفعل، اعتذرت له بعد أن داخلني الخوف وأخذت أحلق له بيد مرتجفة ولا أدري هل أنا أحلق لـ(إنسي أو لسكني)! وعندما انتهيت لم آخذ منه فلسا واحدا، غير أنني رجوته ألا يعتب صالوني بعد ذلك.

وبعد فترة، وبينما كنت أسير في الشارع، فإذا به يسير بجانب شاب يشبهه إلى درجة الامتزاج، وكأنهما (فولة وانقسمت نصين)، وتأكدت أن الثاني الذي حلقت له ما هو إلا أخوه التوأم!

وإنني أجزم وأبصم بأصابعي العشرة ومستعد أن أحلف، حتى بالطلاق، إن زوجة أي منهما من المستحيل أن تكشف وتفرق أحدهما من الآخر، لا في نهار ولا في ليل!

[email protected]