درس السودان على مائدة السياسي العربي

TT

الانفصال الذي يتجه إليه جنوب السودان هل يمثل عنوان مرحلة قادمة تتجه فيها أجزاء أخرى من عالمنا العربي إلى نفس الاتجاه بمساعدة قوى خارجية ترى أن من مصلحتها تفتيت بعض الكيانات الكبيرة إلى كيانات أصغر يمكن التعامل معها بصورة أفضل، خاصة أن ثمة بوادر مطالبات في دول مثل العراق واليمن والصومال؟ ولن يقف هذا الأمر عند تلك الدول، فقد تمتد هذه النزعات الانفصالية إلى أماكن ودول أخرى، وهذا يفرض على الدول العربية أن تتفادى الأخطاء التي وقع فيها السودان، حيث شكلت تلك الأخطاء قوى دافعة مطالبة بالانفصال، فالتنمية العرجاء التي تهتم بأجزاء من الوطن الواحد، وأجزاء من سكانه، على حساب مكونات المجتمع الأخرى، هي قوى طاردة للوحدة، محفزة على الانفصال، فركائز الوحدة الوطنية المستديمة هي العدالة الاجتماعية بكل ما تحمله من مساواة، وكذلك التنمية الشاملة التي تلامس المواطن أينما كان على خارطة وطنه، وهذا ما أغفله السودان طويلا في غمرة اهتمام النخب السياسية الشمالية بدوائرها الضيقة، ولا أحد يلوم جنوب السودان في ظل الأوضاع المزرية التي يعيشها في أن يمضي في خيار انفصاله، وبدلا من البكاء على اللبن المسكوب فإن على الدول العربية إعادة قراءة خرائط أوطانها، ووضع خطوط حمراء تحت المناطق المهمشة التي تتضور جوعا، وإهمالا، وجهلا، ونسيانا، فمن هناك منابت الخطر.. واحتجاجات الجياع التي تطل برأسها هذه الأيام في أكثر من مكان في عالمنا العربي إنما هي مؤشر لاختلال الموازين داخل الوطن الواحد، ولم يكن على تلك الدول الانتظار حتى تطل الفتنة برأسها لتبدأ في الاعتراف بارتكاب أخطاء، فتقيل مسؤولين، وتنتهج تدابير، لا يفترض أن تكون غائبة عن رؤية السياسي من قبل.

إن درس السودان يفترض أن يكون على مائدة السياسي العربي، فذاك السوداني الجنوبي الذي ظل منذ استقلال السودان يرفع صوته تدريجيا مطالبا بحقوقه في التنمية كمواطن سوداني «كامل المواطنة» لم يجد للأسف من كل الحكومات التي تعاقبت على السودان، سواء كانت عسكرية أو مدنية، من يصغي إليه في ظل انشغال تلك الحكومات بتجاذبات نخب العاصمة، وما سادها طويلا من مزايدات وعنتريات، وها هو الجنوب ينسل من بين عيون الجميع كشعاع ضوء، ولا أحد يستطيع أن يجزم بأن يكون هذا الانفصال هو الأخير إن ظل ميزان التنمية الاجتماعية في أجزاء من عالمنا العربي يواصل اختلاله، ويقسم مكونات المجتمع الواحد - كما يقول إخواننا المصريون - إلى خيار وفقوس.