السعودية تحذر من أبنائها!

TT

في الوقت الذي ما زال البعض فيه يمعن في إنكار مشكلاته، وتورط بعض من أبنائه في جرائم الإرهاب، والانتماء إلى «القاعدة»، كشفت السعودية، وبشكل علني، وعبر مؤتمر صحافي، عن قائمة من 47 مطلوبا من أبنائها «الخطرين» والمقيمين في الخارج، وقامت بإرسال تلك المعلومات إلى «جميع الدول عبر الشرطة الدولية لتكون على دراية تامة بما يشكله هؤلاء من أخطار»، بحسب المتحدث الرسمي للداخلية السعودية.

إعلان الداخلية عن قائمة السبعة والأربعين يأتي تأكيدا على أن الأمن السعودي قد وصل إلى مرحلة متطورة جدا من المهنية والحرفية والثقة، ودليلا على أن الأمن قد وصل إلى قناعة مهمة، وهي أن من أفضل أدوات محاربة «القاعدة» الشفافية والوضوح، فالمعركة هي معركة رأي عام، ومعركة داخلية، وليست دعاية خارجية، وهنا القصة.

فالإعلان عن إحباط مخططات إرهابية، أو الإيقاع بشبكات دون تفاصيل كافية، وأسماء وصور، أمر لا ينظر إليه باهتمام، سواء دوليا أو حتى إعلاميا، حيث ينظر إليه على أنه مجرد محاولات دعائية، وأبسط مثال هنا أنه لا أحد اكترث حين أعلنت إيران مؤخرا عن اعتقال منتمين إلى «القاعدة» على أراضيها، وخصوصا أن الإعلان قد جاء بعد تسريب معلومات عن أن طهران قد قامت بإطلاق سراح عدد من قيادات «القاعدة» المقيمين لديها. فالمتعارف عليه بين الدول، في مكافحة الإرهاب، أن تقوم الدول بتحذير بعضها البعض، ناهيك بتبادل المعلومات، فـ«القاعدة» لا تعمل دون تنسيق خارجي. يقول لي مسؤول أمني كبير: (خبرتنا تقول إن «القاعدة» لا تعمل دون اتصال خارجي).

صحيح أنه في بعض الأحيان يلجأ الأمن إلى حجب بعض المعلومات لضرورات التحقيق أو المتابعة، لكن حجب المعلومات أمر يجب ألا يطول، وخصوصا أن «القاعدة» تجيد الدعاية الإعلامية، ولا سبيل إلى مواجهة هذا الأمر إلا بالشفافية، وهذا ما فطن إليه الأمن السعودي مبكرا جدا. ولذا، فإن إعلان السعودية عن قائمة السبعة والأربعين، وتحذير جميع دول العالم من خطورتهم، ما هو إلا دليل على حرفية الأمن السعودي، ودليل على إحساسه الكبير بالمسؤولية، وخصوصا أن للأمن السعودي يدا طولى اليوم في محاربة الإرهاب، ويكفي التذكير بأن الأمن السعودي هو من كان خلف الكشف عن عملية الطرود المفخخة الصادرة من اليمن، والتي كانت تستهدف طائرات شحن، ناهيك بالتحذير السعودي حتى لبعض الدول الأوروبية مؤخرا، ومنها فرنسا، كما أعلن المسؤولون هناك.

وعندما تحذر السعودية علانية من أبنائها الخطرين، فإنها تخبر مواطنيها بواقع الأمر، كما تخلي مسؤوليتها أمام العالم، حيث قامت بواجبها وحذرت الجميع بكل وضوح، وبذلك تقطع الطريق على من يريدون حشر اسم السعودية في كل عمل إرهابي، فقط لمجرد الإساءة، وخصوصا أن «القاعدة» لم تترك جنسية إلا واستعانت بها في معركتها الشريرة. لكن بالطبع يبقى أن نقول إن المعركة مع «القاعدة» في السعودية ليست أمنية فقط، بل في تفكيك صواميل هذا الفكر من خلال المواجهة الفكرية على المستويات كافة، فلا بد من تنقيح لأمور كثيرة تغذي الثقافة السعودية.