السياسة الخارجية المثالية لا تحقق تقدما

TT

السياسة الخارجية المثالية تعني نوعا من السياسة الخارجية القائمة على مثل أعلى، ونموذج وسيناريو أو حلم.

وهي الحقيقة التي تقول إن العالم لم يعد قائما على السياسة الخارجية القديمة ثنائية القطب. والفكرة الجديدة هي السياسة الخارجية متعددة الأقطاب. وبالإضافة إلى الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي وروسيا، هناك الآن الصين والهند والبرازيل.. إلخ. وبالإضافة إلى ذلك، هناك دول تبذل جهدا من أجل فرض سياسات إقليمية مثل تركيا وإيران.

ووفقا لهذه الحقيقة، يتواجد الآن نظام متعدد الأقطاب بدلا من القبول بتفوق الدولة القوية (الولايات المتحدة أو روسيا) لقطب محدد. ولكن هذا النظام فشل في إزاحة لعبة السياسة الخارجية الواقعية بشكل متساو.

وتطور الدول الآن سياسات خارجية وجها لوجه عبر مصفوفة متعددة ومتغيرة، وتتبنى توجهات مختلفة ضد دول أخرى، ولكنها تختار سياسات واقعية نفعية من أجل خدمة مصالحها الخاصة ودفع حقيقة فكرة معينة إلى الأمام.

وهناك فقط دول قليلة جدا مثل الصين وإيران وفنزويلا وكوبا مستعدة لتقديم بعض الرسائل إلى العالم.

ولكن في هذه الفئة، يمكن للمرء أن يقول بسهولة إن كوبا قد تخلت عن أفكارها المثالية منذ فترة طويلة، وإن الصين تتبنى ببطء سياسة واقعية / عملية.

ولم تعد البرازيل وتركيا تنطقان كلمة «السياسة الواقعية» بعد مهزلة «إعلان طهران».

وعلى الجانب الآخر، وكما يتضح في «سياساتها تجاه إيران»، تنضم روسيا برفقة الصين إلى صف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في المسائل التي تخدم مصلحة روسيا.

وما زالت هناك ثلاث دول في العالم تعتقد بأن لعبة السياسة الخارجية المثالية ما زالت قائمة وهي فنزويلا وإيران وتركيا! ورغم أن تركيا تتغاضى عن الجرائم ضد الإنسانية في السودان والصين وإيران، فإنها تتبنى بوضوح سياسة خارجية مثالية. واسم هذه السياسة الخارجية المثالية «العثمانية الجديدة».

«ويمكن أن تصبح تركيا اتحادا من عدة دول تماما مثل اتحاد بريطانيا مع مستعمراتها السابقة» حسبما أعلن جاكسون ديل مستشهدا بقول وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو. وكتب ديل في جريدة «واشنطن بوست» يوم 5 ديسمبر (كانون الأول) يقول: «تمتلك بريطانيا رابطة مع مستعمراتها السابقة، لقد ذكرني بذلك. فلماذا لا تعيد تركيا بناء زعامتها في الأراضي العثمانية السابقة بمنطقة البلقان والشرق الأوسط وآسيا الوسطى؟».

وبغض النظر عن مدى إنكار داود أوغلو ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان لهذا الأمر، ومدى الانزعاج السائد حاليا في دول منطقة الشرق الأوسط، فالأمر الذي يمتلكه الاثنان في مخيلتهم هو رابطة تقودها تركيا في منطقة الشرق الأوسط ودول البلقان وآسيا الوسطى، شبيهة بالرابطة التي امتلكتها بريطانيا مع مستعمراتها السابقة.

وما أحاول أن أفعله هو الاستمرار في التوضيح للعامة بأن مثل هذه الفكرة المثالية لن تتقدم إلى أي مكان، وأنها يمكن أن تلحق حتى ضررا بالدولة.

ويصر داود أوغلو على أن تركيا تتابع سياسة خارجية تستهدف «عدم الدخول في مشكلات مع دول الجوار». وأنا أصر على تقديم تحليلات واقعية وملموسة من ناحية الفائدة والتكلفة، وهو ما أطلق عليه مفهوم «السياسة الخارجية الموجهة حسب النتائج».

ورد الفعل الأكثر جدوى لـ«سياسة الخارجية الموجهة حسب النتائج» تطلب من الأشخاص الذين يدعمون أحمد داود أوغلو تحرير تأشيرة الإقامة في عدد من الدول المجاورة. (دعوني أذكركم في هذه النقطة بأن هذا التحرير لتأشيرة الإقامة لا يتعلق بأي حال من الأحوال بنموذج تأشيرة إقامة شبيه باتفاقية «شنغن» على الرغم من مزاعم أنصار أحمد داود أوغلو).

وأنا أرى أنه سواء أكانت السياسة الخارجية لتركيا تقوم على «سياسة خارجية مركزية متعددة أم «العثمانية الجديدة»، فإن تركيا تسير في طريقها الجديد تجاه التعرض للاستغلال من قبل بعض الدول، ناهيك عن أنها ليس لديها أي شيء لتكسبه - باستثناء الشهرة - عبر تبنيها لمثل هذه السياسة.

* بالاتفاق مع صحيفة «حرييت ديلي نيوز» التركية