مصر.. خوفنا كبير

TT

من حق المصري أن يطلب من حكومته ما يريد، ولو مست مطالبه الرئيس والحكومة. لكن مصر ليست للمصريين وحدهم، وخوفنا عليها كبير، هذا ما يجب أن يعيه المصريون، وهذا ما قلناه مرارا وتكرارا.

واليوم ليس وقت ذكر الأخطاء، بل هو وقت استيعاب الدروس، وما أقساها، وما أهمها، وليست للمصريين وحدهم، بل لكل العالم العربي الذي أدمن الجمود، حتى باتت لدينا عشوائيات مباني، وعشوائيات فكرية وإعلامية، وأكثر. عالمنا العربي الذي أدمن أيضا نسج الوعود، وتمسك بالمركزية القاتلة، لا يرى الكوارث التي تتنقل حولنا من كل حدب وصوب، والرد كما قال الدكتور مأمون فندي في مقال له: «إحنا مش جماعة تونس»، فالرد دائما «إحنا مش العراق»، و»مش لبنان»، و»مش الصومال».. و»مش اليمن»، والقائمة تطول.

وعليه، فإن المطالب المشروعة لا تأتي بالعنف، وإحراق أوطاننا، ولا تأتي بهدم الاقتصاد، فاقتصاد مصر يئن، ينهار. والأمن في فوضى، فمناظر العنف في مصر مرعبة من إحراق لسيارات الأمن، ونهب، وإصابات، ورمي للحجارة، وكأنها الانتفاضة الفلسطينية. وهذه ليست مظاهرات بل عنف، وهو عنف لا يشبه الشباب الذين نرى وجوههم في الصور. والخوف اليوم من التخريب، وممن يريدون ركوب الموجة في مصر. فها هو المناضل بشوكة وسكين محمد البرادعي يعود بمنظر مزرٍ للقاهرة ويبدي استعداده لقيادة فترة انتقالية، هكذا بكل سذاجة.. والإخوان المسلمون قرروا اليوم القفز أيضا لاستثمار تحرك الشباب. ولذا، فإن الفوضى كبيرة ومرعبة. وهذا داخل مصر، أما خارجيا فنحن أمام نفاق غير مسبوق، وأول المنافقين الأميركيون.

واشنطن صرحت بقرابة عشرة تصريحات متضاربة في 24 ساعة، كلها متناقضة، مرة تعلن الحياد، ومرة تطالب بالإصلاح، وكأن الإصلاح يأتي في يوم. واشنطن التي نهجت سياسة اليد الممدودة لإيران بينما الأمن الإيراني كان يذبح مواطنيه أمام العالم، رغم كل المناشدات لواشنطن لمساعدة المتظاهرين المقموعين، بل إن قمة نفاق واشنطن هو خوفها على المظاهرات في مصر، وهي لا تحرك ساكنا لما يفعله الإسرائيليون بالفلسطينيين، وهذه قصة تحتاج إلى كتب.

أما بريطانيا فيكفي أن نذكر بما حدث في مظاهرات الطلاب، وكيف تصدت الشرطة هنا بقوة لعنف الطلاب، بل مازالت لندن تلاحق من ألقوا البيض على سيارة ولي العهد الأمير تشارلز. أما فرنسا فذاك نفاق من نوع آخر، فيكفي أن نذكر بأن فرنسا قبل أيام تذكرت وقامت بإلغاء معدات مكافحة الشغب المقرر إرسالها لنظام بن علي!

المراد قوله هنا أن كل المطالب الشعبية مشروعة، وتوفير الحياة الكريمة حق لنا كعرب، ومحاربة الفساد أمر حتمي لنبقي على خيراتنا، ونحافظ على الطبقة الوسطى. وهذا ليس حديثا عن مصر فقط، بل لكل العالم العربي بدون استثناء. فواجب الحكومات هو توفير الأمن، والرعاية الصحية، والوظائف، وتفعيل الطاقات كلها، وليس التدخل في حياة الناس وقمعهم. هذا الأساس، وهذه هي القاعدة. ولكن - وهذا المهم والأهم - أن لا نحرق أوطاننا.. لا نهدم مكتسباتنا.. لا نعمق تأخرنا، وجراحنا. أوطاننا لنا، دعونا نحميها، مهما كانت مطالبنا، ومهما كان غضبنا.

[email protected]