درس مصر.. الدولة هيبة

TT

نشاهد ما يحدث في مصر ولا نملك إلا الدعاء إلى الله ليجلي هذه الغمة عن المحروسة، لكن - وكما أسلفنا أمس - ليس لنا اليوم إلا استخلاص العبر، ومحاولة الطرح بتعقل لأن الفوضى والارتجال هما المتسيدان في مصر، وفي فضاء إعلامنا العربي.

درس مصر القاسي للمصريين، والعرب: أن الدولة هيبة، وإذا ما ضاعت هيبة الدولة فإن المصير هو ما نراه من نهب وفوضى في كل مصر. والهيبة لا تتم بالقمع، أو التعالي على الناس، بل هي وفق مقولة معاوية بن سفيان «لو أنّ بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، كانوا إذا مدّوها أرخيتها، وإذا أرخوها مددتها»، وهذا لا يتم بالوعود الخيالية، ولا بالقبضة الأمنية، بل من خلال بناء مؤسسات لا تترهل، وتقوم على الكفاءة، فالدولة حكم، وليس طرف.

من يرى ما يحدث في مصر من فوضى ورعب، لا يملك إلا أن يتساءل سؤالا بسيطا جدا: هل يعقل أن جميع المؤسسات المصرية لا تملك وسائل قياس للرأي العام، لتعرف ما هو المزاج في الشارع، وما الذي يمكن أن يحدث في جميع السيناريوهات؟ هل يعقل أن يتلاشى الأمن بهذا الشكل السريع والمذهل؟ وهل يعقل أن في مصر جماعات قادرة بهذا الشكل المذهل على إحراق سيارات مكافحة الشغب المحصنة بقذف شحنة واحدة لا تتجاوز حجم كف اليد ولم يرصدهم الأمن من قبل؟

قبل أمس، قال الرئيس المصري إن الاقتصاد أخطر من أن يترك للاقتصاديين، وهذا صحيح. ولكن حتى السياسة أخطر من أن تترك للسياسيين، والحرب أخطر من أن تترك للعسكريين. فالمسألة هنا هي عقد اجتماعي متكامل، يقوم على مؤسسات، وكفاءات، ويكون دافعها مراعاة مصالح الدولة، وليس حزب، أو أفراد. وهذا أيضا ينطبق على كل العالم العربي، الذي يجب أن يعرف - وهذا أفضل وقت لقول الحقيقية - أن شعوبكم هي من الأصغر سنا، واقتصاداتكم من الأقل نموا، وشفافيتكم هي الأقل، وتعليمكم يئن، ووعودكم هي الأكثر، وهذه أفضل وصفة لأي انفجار.

لذا، فإن هيبة الدولة لا تقوم إلا من خلال تجنب الجمود. فالجمود قاتل، ولا بد من محاربة الفساد، وإدراك أهمية الإعلام، والإعلام الجديد، وكيفية التعامل معه، وليس قمعه، ولا بد من خلق فرص وظيفية، وفتح آفاق لمنع الاختناق الاجتماعي، والسياسي، وتسليك وسائل وقنوات للحوار، والأفكار، لكي لا يكون الوطن مسرح استقطاب وإقصاء، ولا يسمح للأفكار المتطرفة أن تموج بنا، ونجاملها، أو نسمح للقوى الخارجية أن تسرح وتمرح بأوطاننا، وتحديدا الشر الإيراني الذي تغلغل في دولنا، وتحالف مع قوى لدينا.

أزمة مصر خطرة، لكنها مليئة بالدروس، وأهمها الحفاظ على هيبة الدولة. فإذا ضاعت هيبة الدولة ضاع الوطن والمواطن، فالمطالب بدأت مشروعة، لكنها تحولت إلى فوضى، وتهديد لكل ما تحقق في مصر. فللأسف، فاق حجم الخسائر كل المكاسب التي كانوا يرجونها، فهزة الرعب التي دوت في قلوب المصريين أقوى من أن نتمكن من قياسها اليوم. وعليه، فإن أهم درس هو المحافظة على هيبة الدولة فعليا، وليس بالشعارات.

[email protected]