هل الحكومة التونسية المؤقتة سيئة جدا؟

TT

كان يوجد أكثر من موقف حول حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، يسيطر على الرأي العام التونسي. الموقف الأول يرفض هذه الحكومة جملة وتفصيلا ويرى في تركيبتها محاولة للالتفاف على الثورة الشعبية.

ويقوم رفض هذه الجبهة، التي كان يتزعمها الاتحاد العام التونسي للشغل وغيره على ضرورة استبعاد كافة رموز النظام السابق بما فيهم رئيس الحكومة المؤقتة السيد محمد الغنوشي. واللافت أن هذا الموقف الرافض قد أملى على بعض الأطراف الممثلة له إقامة تحالفات نظرية ظرفية بين من كانوا خصوما من حيث الأطروحات والخلفيات، مما يعني أن الموقف الرافض قد استند إلى آليات اللعبة السياسية من مناورة وتقاطع مصالح وغير ذلك.

وفي مقابل الموقف الرافض بشكل راديكالي نجد موقفا آخر لم تحفل به الفضائيات العربية، التي آثرت التركيز على أصحاب الموقف الرافض خصوصا أنهم وظفوا آليات الإضراب والمسيرات وهي آليات تسيل لعاب بعض الفضائيات أكثر من أصحاب الموقف العقلاني والواقعي.

ولعله من المهم الإشارة إلى أن الموقف القابل بحكومة الوحدة الوطنية المؤقتة قبل إعلان التشكيلة الأخيرة يوم الجمعة الماضي لديه بعض الاحترازات ولكن وعيه بخطورة أن ينحرف الوضع نحو فراغ سياسي ومؤسساتي والمزيد من التدهور الاقتصادي هو الذي دفعه إلى القبول بهده الحكومة والتفاعل ايجابيا مع قراراتها المشجعة والمهمة جدا، التي من أبرزها من حيث قوة الرسالة السياسية مسألة الفصل بين الدولة والأحزاب، وهو ما يعني حل علاقة الدولة بحزب التجمع الدستوري الديمقراطي الذي كان الحزب الحاكم في البلاد إلى حدود تاريخ مغادرة الرئيس السابق قصر قرطاج. وتبدو همة الموقف القابل بالحكومة الراهنة متعلقة إلى حد كبير بضرورة العودة إلى مقاعد الدراسة وإلى العمل والبناء، واعتبار هذه الحكومة ليست أكثر من حكومة تصريف أعمال، لا بد منها لتأمين عملية الانتقال السلمي والطبيعي إلى مرحلة الديمقراطية عن طريق صندوق الاقتراع.

يعيش الرأي العام في تونس حاليا على وقع التجاذب بين الموقفين مع العلم أنه بمرور الساعات والأيام قد بدأ الموقف العقلاني المرن ينُصت إليه أكثر بعد أن كانت كل الآذان تقريبا تنصت إلى أصحاب الموقف الراديكالي الرافضين للحكومة ولممثليها ولكل من يذكرهم بالنظام السابق والمراهنين على الضغط عن طريق الإضرابات والمسيرات إلى حد سقوط الحكومة.

وربما لأننا لا نزال في حالة ما بعد الثورة أي في مرحلة الفوران والغليان فإن الصوت الموضوعي يبدو ضعيف الحظوظ. ذلك أن المعجم المهيمن على الجدل السياسي يكاد يدور أساسا حول مفردات مثل الاجتثاث والإقصاء والطرد، وهي مفردات جديدة على الثقافة التونسية المعروفة بالاعتدال والوسطية في مقاربة الأمور.

صحيح أن التركيبة السابقة لحكومة الوحدة الوطنية المؤقتة لم تقرأ حساب الرافضين قطعيا لكافة رموز النظام السابق سواء المتورطين منهم أو «النظيفين» حيث بدت حصتهم معتبرة مقارنة بحجم الرفض وطبيعته.

ولكن ما يمكن أن يُعاب على هؤلاء الرافضين والمطالبين بسقوط الحكومة قبل أي تفاوض هو أنهم غضوا الطرف عن وجوه وطنية ومعارضة سابقا وأخرى مستقلة موجودة في تركيبة الحكومة وتستحق الثقة، إضافة إلى تركيز الاحتجاج والضغط على الحكومة التي هي مؤقتة ودورها تصريف الأعمال وعدم الاهتمام بلجان الإصلاح والفساد ومتابعة الأحداث الأخيرة، والحال أن هذه اللجان هي التي تستحق الجدل والملاحظات، باعتبار أنها بصدد صنع الشروط التشريعية والدستورية للحرية والكرامة والديمقراطية في تونس.

والغريب أن غالبية الراديكاليين اليوم من أصحاب السقف الأقصى يُحركون الشارع التونسي بشكل يوحي وكأنهم زعماء الثورة وأصحابها في حين أنها ثورة شعبية دماء وضحايا.

وهنا نتساءل عن مدى تحلي هؤلاء الراديكاليين الجدد والقدامى بروح المسؤولية السياسية ومدى وعيهم بالمخاوف التي تتصيد ثورة الشعب التونسي داخليا وخارجيا وخصوصا مدى حجم انتباههم إلى مآزق الاقتصاد وسياحته الحزينة؟

نطرح هدا السؤال لأنه رغم التعديل الوزاري الأخير وخروج ما تم وصفهم برموز النظام السابق، فإن الاعتصام مازال على حاله تقريبا أمام قصر الحكومة مطالبين أصحابه باستقالة محمد الغنوشي رئيس الحكومة وهو ما يعني أن الشارع السياسي قد تجاوز دوره كطرف مراقب وضاغط إلى فاعل سياسي لا يعبر عن رأيه فحسب بل يُقيل ويطرح البديل إذا لزم الأمر وهو ما يستدعي التأمل والقراءة باعتبار أنها مؤشرات يمكن أن تمثل خطرا على الثورة الشعبية في تونس.