مصر.. الجَمل ضد الـ«فيس بوك»!

TT

أيا يكون ذاك الذي أخذ قرار خروج المتظاهرين المؤيدين للرئيس المصري صباح الأربعاء بالجمال والخيول مستخدمين العنف المرعب الذي رأيناه بحق الشباب في ميدان التحرير، فقد ارتكب خطأ قاتلا لا يغتفر بحق مصر، والرئيس مبارك نفسه.

مساء الثلاثاء الماضي، وبعد الخطاب الثاني الذي ألقاه الرئيس، وقال فيه إنه لن يترشح للرئاسة، وإنه سيقوم بكل التغييرات الدستورية المطلوبة، وقوله إنه سيموت على أرض مصر، بعد ذاك الخطاب العاطفي انقسم المصريون والمعارضة، وانقسم حتى المعترضون عليه عربيا، ومصر لكل العرب، وبدأت بشائر التنفيس تلوح بالأفق، وحتى معتصمو وسط القاهرة كانوا في نقاش جاد حول ضرورة الاستجابة لدعوة الرئيس، إلا أن تلك المظاهرة الهمجية التي قام بها أنصار الرئيس نسفت كل أمل في الحلول العقلانية التي تحافظ على أمن واستقرار مصر، حيث بات السؤال: كيف تحافظ مظاهرة مليونية قام بها معارضو الرئيس على الأمن ودون إراقة قطرة دم واحدة، بينما يفعل أنصار الرئيس ما فعلوه من إرهاب؟ هل يعقل أن يكون الرد على الشباب الذي استخدم الـ«فيس بوك» هجمة بالجمال والخيول وكأننا نشاهد فيلم «معركة القادسية» التاريخي؟

وما زاد الأمور تعقيدا تصريح نائب الرئيس بأن التفاوض مع قوى المعارضة لا يمكن أن يتم إلا عندما تغادر المعارضة الشارع، فكيف يقال ذلك والقيادة المصرية تتعهد بمصر ديمقراطية، وخصوصا أن الرئيس قد قال بأن مصر ستكون بعد خروجه أقوى بكثير! وما زلت على قناعتي بنصاعة تاريخ الرئيس المصري مبارك، وأنه ليس زين العابدين بن علي، أو صدام حسين، مهما قال معارضوه. لكن أسلوب معالجة الأزمة، وخصوصا بعد خطاب الرئيس الأخير، يثير الاستغراب والألم والغضب! فحتى بعض القنوات الأجنبية لم تندفع لتسمية ما يحدث في مصر بالثورة. محطة «بي بي سي» الإنجليزية، وهي أكثر حرفية في معالجة أزمة مصر من خدمة المحطة نفسها العربية التي لا تقل سوءا عن الإعلام المصري الرسمي، لم تسم أحداث مصر بالثورة إلى الآن، ومثلها شبكة «سي إن إن» الأميركية، لكن المعالجة الخاطئة من أصحاب معركة الجمال والخيول قد تجعلها ثورة حقيقية بالفعل، وخصوصا أن مزيدا من النخب المصرية قد بدأت تأخذ موقفا مضادا للنظام.

مصر الكيان اليوم في خطر حقيقي، ومصر أهم من كل الأفراد، وخصوصا أن الذئاب باتوا يحومون حول القاهرة من كل نوع.. من دول وميليشيات وآيديولوجيات، وهذا أمر يهددنا كلنا، فاستقرار وقوة مصر أمر حيوي للجميع، وما يحدث اليوم هناك يعد مشهدا جنونيا، وخصوصا أن النظام قد أوشك أن يكون في صدام حقيقي مع المجتمع الدولي الذي بات يرفع عنه الغطاء بشكل واضح، وبات يطالبه علنا بالرحيل، في مشهد غير مألوف، وغير متوقع، ولم يتخيله حتى أكبر المتشائمين.

والسؤال الآن هو: أين عقلاء مصر؟ وهل يجوز أن تكون هذه هي نهاية نظام الرئيس المصري؟ يا خسارة!

[email protected]