أيضا المستشار

TT

قد يقال إنني أعاني من عقدة اسمها المستشار، أو المستشارون. وأنا أحب أن أؤكدها. كلما تأملت مسؤولا يتخبط في مأزق مصيري تساءلت: ماذا قال له مستشاره؟ أو ماذا تجرأ مستشاره أن يقول له؟

بعد سقوط صدام حسين كشف طارق عزيز وعدد من مقربي الرئيس السابق أنهم كانوا ضد احتلال الكويت. وكانوا يعرفون إلى ماذا سوف يؤدي. وقالوا ذلك لزوار بغداد الأجانب. لكنهم خافوا جميعا أن يقولوا رأيهم للرجل الذي سوف يدمر العراق.

ذهب زميل إلى زيارة مسؤول عربي راحل فوجده محاطا بعدد من المستشارين والمقربين. وكان الرجل إذا قال كلمة هبوا جميعا للتصفيق لها وله. وإذا انتقد شيئا سارعوا إلى لعنه. وإذا امتدح شخصا سارعوا إلى مدحه. وعندما استأذن الزميل بالانصراف قال للمسؤول الراحل: لي رجاء واحد عندك: أن تنقل واحدا من هؤلاء السادة، أي واحد، إلى طرف الطاولة الآخر وتحدد له مهمة واحدة: أن يجيب «لا»، على كل سؤال تطرحه على الجماعة. سواء كان على حق أو على خطأ. فإن ذلك سيجعلك تفكر قليلا وتتأمل قليلا قبل أن تقوم.

كان الرجل من الذكاء بأنه قال إن الفكرة أعجبته. لكنه كان من الضعف البشري بأنه لم يطبقها. ولعل أكثر ما آلمه فيما بعد أنه لم يعثر على من يساعده في مقاومة الاغترار. وعندما كان يخطئ، خصوصا حيال نفسه، لم يكن إلى جانبه شجاع يحذره. وذلك ليس خوفا على المسؤول، بل خوفا على الموقع وعلى النفس. وعلى النفيس. وهذا النوع من المقربين أعداء غير مدركين. ولا يعرف خطرهم ومدى عدائهم إلا بعد فوات الأوان. لا أعرف شيئا عن الذين كان يسمع إليهم الرئيس حسني مبارك. ولا أعرف كم كان يسمع. ولكن ألم يخطر له أن يشكك لحظة في الذين يقولون نعم منذ ثلاثين عاما؟ في الذي لم يقل له مرة واحدة «والله يا ريس دي مش عارفها، ما نسأل واحد يعرف؟».

قبل نحو 5 سنوات، آخر زيارة للقاهرة، ذهبت إلى زيارة الدكتور أسامة الباز.وجدته في مكتبه، وحيدا، إلا من سكرتيرة وبضعة موظفين. أمضيت ساعة مع رجل شعرت أن الرئيس لم يعد يصغي إليه، ولو أنه ما زال يحمل لقب المستشار. وسألت الدكتور الباز، هل صحيح أنه لا يزال يركب «المترو» إلى منزله؟ قال أيوه! قلت، ألا تخاف، هكذا بين آلاف الناس؟ قال: إيه يعني الناس؟ مش أنا ناس برضو؟

كان أسامة الباز يريد أن يقول من خلال التنقل في «المترو»، إنه لا يريد قطع العلاقة مع «ابن البلد» المصري. وكان أول المستقيلين في حكم الرئيس مبارك. السيد أحمد عز، رمز التجارة المتمادية، في مصر الحديثة. استقالة متأخرة وتعديلات متأخرة للأسف. كأن تتذكر الحكومة بعد 20 عاما الدكتور جابر عصفور، بعد 20 عاما من الدكتور فاروق حسني.