مصر والمأزق الاقتصادي العربي

TT

لا أدري كيف ستحل مصر مشكلة الفقر. فبعد فشل التأميم والتجربة الاشتراكية، سعت للتنمية في إطار الرأسمالية الليبرالية وإطلاق العنان لاقتصادات السوق. نما الاقتصاد المصري بالفعل ووصل النمو إلى 5 في المائة العام الماضي، رغم الأزمة العالمية. من عيوب اقتصادات السوق أنها تزيد الهوة بين الفقراء والأغنياء، وهو ما حصل حتى في الصين الشيوعية بعد تحرير اقتصادها. الفكرة هي أن ما يكسبه الأغنياء من هذا النمو سيترشح تدريجيا فيصل للفقراء، بزيادة فرص العمل وتوفر المال وارتفاع الأجور وتقوية العملة الوطنية. بيد أن هذه العملية تستغرق زمنا. والجوعان لا صبر له على الجوع. المشكلة الإضافية بالنسبة لفقراء مصر والبلاد العربية، هي أن هناك من الأغنياء من لا يوظفون أرباحهم داخل الوطن ليستفيد منها المواطن، وإنما يحولونها للخارج فيستفيد منها الأجنبي. السبب الرئيسي لذلك هو عدم الاستقرار. لا يدري الغني متى ستحصل ثورة أو انقلاب أو تأميم أو قوانين سلبية جديدة. يقول المثل: «رأس المال جبان».

هكذا تصبح مشكلة مكافحة الفقر عويصة في البلدان المتخلفة وغير المستقرة. الانتفاضة الأخيرة في مصر حرقت 40 مليار دولار من البورصة المصرية خلال يوم واحد (27 يناير/ كانون الثاني). وتهالك المستثمرون ورجال الأعمال بالمئات على مغادرة البلاد. ولا يخفى أثر ذلك على صناعة السياحة. وعليه، فينبغي أن يكون تحقيق الاستقرار من أولى أسبقيات الإصلاح. بيد أنه لا يتحقق من دون تفاهم وانسجام بين الحاكم والمحكوم. نحن معتادون على الفقر واعتدنا عليه لقرون. ما يثير أعصاب الفقراء ويحركهم للانتفاض الآن هو اتساع البون بين الأغنياء والفقراء ومعرفتهم بأن هذا الترف والاستهتار به لم يأت بالحلال وإنما بالحرام.

يزيد الطين بلة ما نسمعه عن تهريب هذه الأموال المسروقة للخارج. إنهم يخافون على سرقاتهم فيبادرون لتهريبها. ليس من المعتاد لمن يكسب ماله بالحلال وبجده وعمله أن يفكر في نقل حلاله للخارج. وهذا هو الموضوع الذي يزيد من التوتر الثوري. وعليه فالضرب على أيدي الفئة الآثمة من أولويات الإصلاح. وللنجاح في ذلك لا بد من وسائل إعلام قوية ومستقلة وحرة وقانون يحميها لتفضح الضالعين في الفساد. وتزداد العملية نجاحا بسن قانون «من أين لك هذا». بقاء المال داخل الوطن يزيد من الاستثمار وبالتالي من فرص العمل وارتفاع الأجور.

لا بد من إصلاح المناهج الدراسية بإحلال الدروس المفيدة، العلوم والتكنولوجيا بدلا من هذه الدروس العقيمة ليسهل على الشاب الحصول على عمل في الصناعات والمهن والحرف داخل الوطن وخارجه.

عندما قررت ثاتشر فرض اقتصادات السوق، أردفت ذلك بالدعوة لاقتباس أفكار الحياة الأميركية التي تشجع روح الإحسان. فالأميركان لا يتباهون بسياراتهم وقصورهم بقدر ما يتباهون بإحسانهم، هكذا فعل بيل غيتس. تراهم يشجعونك بكسب الملايين، ولكنهم ينتظرون منك أن تتبرع منها بالكثير لأعمال الخير والمنفعة العامة، كمنح زمالات دراسية، وإقامة مستشفيات خيرية، ومساعدة المحتاجين عموما. نحتاج لاستيراد هذه الذهنية. بحيث تتباهى المرأة لا بمجوهراتها، بل بصدقاتها، وهذه عملية تتطلب غسل الدماغ.