تذكرة من مصر: عصر النفط لن ينقضي

TT

لا يزال عصر النفط مستمرا، ونحتاج إلى التعامل معه. وتذكرنا الثورة داخل مصر بدروس، على الرغم من أشهر من التحذيرات، تجنبها الأميركيون بصورة مستمرة: ستعتمد الولايات المتحدة مع الباقي من العالم على النفط لوقت غير محدد في المستقبل، ولا تزال أسواق النفط العالمية رهينة لأزمات سياسية لا يمكن التنبؤ بها أو السيطرة عليها، ولم نتخذ الإجراءات الحكيمة التي ستقلل - من دون أن تقضي - على احتمالية تعرضنا لمشاكل كارثية مرتبطة بالنفط.

وليس من الواضح حتى الآن ما ستلحقه الأزمة المصرية بأسواق النفط. وبسبب الطقس البارد والطلب الكبير من دول نامية، ارتفعت أسعار النفط بالفعل قبل أن ينزل المصريون إلى الشوارع. وبعد أن كان السعر يبلغ في المتوسط 2.80 دولار للغالون الواحد خلال معظم العام الماضي، تجاوزت أسعار البنزين داخل الولايات المتحدة حاجز الثلاثة دولارات في ديسمبر (كانون الأول). وارتفعت الأسعار إلى ما هو أكثر، ولكن المكاسب ربما تكون قصيرة الأجل. تنتج مصر 700.000 برميل يوميا فقط. ولا تعد هذه كمية كبيرة بالمقارنة مع الطلب العالمي الذي يبلغ قرابة 90 مليون برميل يوميا. وإذا توقف إنتاج مصر بالكامل، ربما يأتي ما يحل محله لأن العالم فيه فائض قدره 4 ملايين برميل يوميا في أماكن أخرى.

وتوجد مخاطر أكبر في شحن النفط، حيث إن خط قناة السويس، وقناة السويس - البحر المتوسط تنقل حاليا قرابة 3 ملايين برميل يوميا بين آسيا وأوروبا. وإذا منعت هذه الإمدادات، فإن الأسعار سوف ترتفع بالتأكيد. ولكن مرة أخرى، سيتم التعامل مع الأمر. وستتم إعادة النقل في طريق آخر، وستتزايد عمليات الشحن عبر خطوط أنابيب أخرى.

ولكن المأزق الحقيقي سيقع إذا ما تسببت سلسلة من التقلبات السياسية في إعاقة الإنتاج داخل دول مهمة: السعودية (الإنتاج الحالي: 8.5 مليون برميل يوميا) أو الكويت (2.3 مليون برميل يوميا) أو إيران (3.7 مليون برميل يوميا) أو العراق (2.4 مليون برميل يوميا) أو الجزائر. وسيستمر هذا الخطر بغض النظر عن الطريقة التي ستنتهي بها الأزمة الراهنة.

ما الذي نستطيع القيام به؟ حسنا، هناك أمران: تقليل استهلاك النفط، ويفضل من خلال فرض ضريبة على البنزين، وزيادة الإنتاج ويفضل من خلال لوائح تنظيمية أقل عداء. ولا تقوم إدارة أوباما بأي من ذلك. وبدلا من هذا، تعلن عن مستهدف مليون سيارة هجين كهربائية بحلول 2015. ويتعلق هذا الأمر بالعلاقات العامة أكثر من كونه مرتبطا بالسياسة. وربما يكون هذا الهدف غير واقعي، وربما تكون مبيعات العام الأول من تشيفي فولت تبلغ 25.000. وحتى لو تم الوصول إلى رقم المليون، ستظل مدخرات النفط قليلة، ربما 40.000 برميل في اليوم، أي نحو 2/10 من 1 في المائة من الاستهلاك الأميركي الذي يبلغ 19 مليون برميل في اليوم. وتوجد بالفعل 240 مليون سيارة وشاحنة خفيفة تستخدم البنزين.

وفي المقابل، فإن الإنتاج الضائع من قيود على التنقيب في خليج المكسيك ربما تبلغ إجمالي 200.000 برميل في اليوم عام 2012، وفقا لتقديرات حكومية. وقد بالغت الإدارة في رد فعلها إزاء حادثة «ديب ووتر هوريزون». لم يكن هناك تشجيع كبير على التنقيب في المناطق اليابسة، على الرغم من الاحتمالات الأفضل. وفي 2009، ارتفع إنتاج النفط المحلي للمرة الأولى منذ 1991، ويرجع ذلك بصورة جزئية إلى الأسعار الأعلى وتقنيات تنقيب أفضل جعلت من المرحب إخراج نفط لم يكن متاحا الوصول إليه من قبل. وقد ارتفع الإنتاج في حقل «باكن» داخل نورث داكوتا، ويوجد أمل بتحقيق مكاسب في حوض «برميان» داخل تكساس.

وستقلل ضريبة البنزين الأعلى - التي سيتم فرضها بصورة تدريجية من أجل تجنب تقويض الانتعاشة الاقتصادية - من التقلبات الكبيرة في أسعار الوقود وتدفع المستهلكين إلى شراء السيارات الأكثر توفيرا للوقود التي تطلب الحكومة من شركات السيارات تصنيعها. وتقليديا، يفضل الأميركيون سيارات أكبر، وربما يظلون مرتبطين بعادات قديمة، ما لم يكن هناك دافع. وتوجد نقط التقاء هنا بين الطاقة وسياسة الميزانية. وربما تساعد ضريبة الطاقة في كلا الاتجاهين، حيث إنها سوف تحسن من أمن النفط، مع خصومات في النفقات وتقليل العجز في الميزانية. ولا يحتمل أن تقبل إدارة أوباما أو الجمهوريون في الكونغرس على هذه الاحتمالات.

ولن يحقق أي من هذا «استقلال الطاقة» الذي أصبح سرابا منذ اقتراحه في السبعينات من القرن الماضي. احتياجنا للنفط المستورد - الآن نحو نصف الاستهلاك - كبير بالدرجة التي تجعل من الصعب التغلب عليه من خلال زيادات في الإنتاج. ولكن يمكننا تقليل هذا الاعتماد وتكلفة الصادرات، التي تبلغ عادة أكثر من 250 مليار دولار سنويا.

وباستثناء حدوث اختراقات في التقنية، فإن قضية النفط لا تسير في اتجاه جيد. وقد أكد على هذا توقعات حديثة عن مستقبل أسواق الطاقة في المستقبل: من هيئة الطاقة الدولية في باريس وإدارة معلومات الطاقة الأميركية و«إكسون موبيل». وجميع هذه الهيئات وضعت افتراضات سخية عن المكاسب من الطاقة، ومن بينها السيارات وإمدادات متجددة موسعة. وتستنتج جميعا أن النفط سوف يلبي ربع أو أكثر من الطلب العالمي على الطاقة لعقود. وتتوقع «إكسون موبيل» أن عدد الشاحنات الخفيفة في مختلف أنحاء العالم سوف يرتفع بنسبة 50 في المائة، إلى 1.2 مليار، بحلول 2030. ويستخدم معظمها البنزين. وسيكون خمسا الزيادة في الصين. وستشتد المنافسة على إمدادات النفط العالمية. ولا يمكن الهروب من هذا الواقع، حتى لو تجاهلناه.

* خدمة «واشنطن بوست»