مخفر السويس

TT

هاجمت جماعات كثيرة مركز الشرطة في السويس وأطلقت النار على رجاله واعتدت عليهم بالضرب. كان المهاجمون ينتقمون لما تعرضوا له في الماضي، فما ذنب رجال الشرطة. كل ما فعلوه أنهم كانوا ينفذون الأوامر العليا. آمل أن تطرح مصر هذه القضية الوجدانية على كل العرب: هل الذي ينفذ أوامر التعذيب الهمجي بريء؟ وهل يحق الثأر منه؟

لا ندري كم يطلب الآمر من المأمور، لكن المأمور يتحول في حالات كثيرة إلى جلاد يطرب لأصوات الاغتصاب وصراخ التعذيب بالكهرباء والإهانات والتجويع. والحل في أمرين، إذا كان المعذب يريد أن يحمي نفسه من الانتقام: إما أن يحسن الآمر المعاملة البشرية، وإما أن يرفض المأمور أي ممارسة لا يقرها قانون أو ضمير أو سلوك.

كانت مصر الثورة، للأسف الشديد، هي النموذج في إقامة السجن السياسي. وقد جف حبر الروائيين والكتاب في وصف تلك الفظاعات، والآن يجب أن يخرج من مصر النموذج الجديد لدولة القانون. فالقانون لا يطبق على المخالف والمرتكب فقط بل أولا على رجل القانون. الشرطي البريطاني يعلق «مايكروفونا» في عنقه لكي يسمع رئيسه كيف يخاطب الناس الذين يوقفهم أو حتى يستوقفهم.

يجب إيقاف فظائع السجون العربية، بدءا من مصر. ففي السنوات الأولى من الثورة طلبت مستشارين وخبراء من ألمانيا الشرقية. ليس في العلوم ولا في التعليم ولا الصناعة ولا الفنون، بل في المطاردات والاعتقال والسجون وفنون التعذيب.

نرجو أنها مرحلة انتهت. قبل سنوات قليلة اكتشف الأمن المصري أن أحد «الخبراء» الألمان لا يزال يعيش في شبرا بين الناس، من دون أن يدري به أحد، مع أن «عقده» انتهى قبل ربع قرن. نرجو أنها مرحلة ختمت. وأن مصر اليوم سوف تطلب الخبراء من الجامعات والمصانع ومعاهد الطب ومختبرات الزراعة. لم نتبلغ في العالم العربي بعد أن الفلاحة أصبحت علما كالذهاب إلى الفضاء. وما زالت مصر تشكو كل عام من «الغيمة السوداء» التي تحجب شمس القاهرة بسبب حرائق القش، بدل تحويله إلى سماد.

لعل من مركز الشرطة في السويس تخرج إلى العالم العربي مرحلة تأخرت كثيرا في الظهور: يكون القانون لمعاقبة المخالف والمجرم، لا لمعاقبة أهله وأولاده والبدهيات الإنسانية.