علاقاتنا التجارية مع أوروبا.. لصالحنا أم لصالحهم؟

TT

يحدد خبراء العلاقات الدولية بين المجتمعات والدول مؤشرات أساسية تحدد مكانة الدولة أو التجمع في المجتمع الدولي، من أهمها المساحة الجغرافية والحدود، والموارد البشرية والتركيب العمري للسكان، وأداء الدولة الاقتصادي، فضلا عن مقاييس حديثة من أهمها المشاركة السياسية وخاصة للمرأة، والنظام السياسي، والوحدة الوطنية الداخلية في المقام الأول. وفي هذا السياق تشير التقارير الاقتصادية العربية الصادرة عن صندوق النقد العربي في أبوظبي إلى أن مساحة الوطن العربي تصل إلى 14 مليون كيلومتر مربع، في حين تؤكد الدراسات السكانية المتخصصة أن سكان الوطن العربي بلغوا 360 مليون نسمة في عام 2010، منهم 50 في المائة أطفال دون الخامسة عشرة من العمر، أي إن المجتمع العربي فتيا وفق المقاييس الديموغرافية المعيارية. لكن على الرغم من أن 47 في المائة من المجتمع العربي في سن النشاط الاقتصادي فإن المساهمة في النشاط الاقتصادي ما زالت ضعيفة ولا تتعدى 29 في المائة من إجمالي عدد السكان نظرا لتدني مشاركة المرأة في النشاط الاقتصادي، والملاحظ أن حجم القوة البشرية كبير والمساهمة في النشاط ضعيف مقارنة بباقي الدول والتجمعات الإقليمية.

وبالأرقام المطلقة تجاوزت قيمة الناتج المحلي الإجمالي العربي عام 2010 التريليون دولار، وتبعا لذلك بلغ متوسط دخل الفرد العربي أكثر من 3500 دولار سنويا، يتفاوت بين دولة عربية وأخرى ويصل إلى أكثر من عشرين ألف دولار في بعض دول الخليج العربي، ولا يتعدى 300 دولار سنويا في بعض الدول العربية الأفريقية مثل الصومال وموريتانيا. ومن الأهمية الإشارة إلى أن الوطن العربي يستحوذ على 60 في المائة من إجمالي احتياطي النفط المؤكد عالميا، هذا فضلا عن امتلاكه 29 في المائة من احتياطي الغاز العالمي، كما يساهم الوطن العربي بنحو 31 في المائة من إنتاج النفط بالعالم؛ أي إن العرب يقعون في أعلى سلم الهرم الاقتصادي من حيث الاستئثار بالطاقة، وقد يكون ذلك مدخلا لكي يتبوأ العرب مكانة أساسية في إطار العلاقات الدولية الراهنة فيما لو كانت هناك إرادة سياسية صادقة باتجاه ذلك. لكن اللافت أنه رغم أن العرب يشكلون نحو 4 في المائة من إجمالي سكان العالم فإنهم لا يساهمون سوى بنحو 5.5 في المائة من إجمالي الصادرات الدولية، وبالأرقام المطلقة تجاوزت قيمة الصادرات العربية إلى دول العالم الـ650 مليار دولار أميركي خلال الأعوام الأخيرة، وتشكل عائدات النفط نصف عائدات الصادرات تقريبا، مما يؤكد أن التركيب السلعي للصادرات هو لصالح المواد الخام 68.2 في المائة، في حين وصلت قيمة الواردات العربية إلى 400 مليار دولار في العام؛ أي نحو 3 في المائة من إجمالي الواردات العالمية. ومن خلال البحث في التركيب السلعي للواردات العربية توضح أن 39.7 في المائة منها عبارة عن آلات ومعدات مصنوعة، الأمر الذي يؤكد أن العلاقات التجارية هي لصالح الدول المصنعة التي تستورد القسم الأكبر من الطاقة من الوطن العربي وتصدر إليه المواد المصنعة وغالية الثمن، هذا في وقت لا نلمس فيه سياسة اقتصادية جماعية موحدة للعرب خاصة في إطار التجارة الخارجية.

وما يزيد الوضع سوءا مؤشر التجارة العربية البينية الذي لا يتعدى 10.3 في المائة مقارنة بحجم التجارة العربية الدولية بشقيها الصادرات والواردات. وبالنسبة للتوزع الجغرافي للتجارة العربية الدولية تشير المعطيات إلى أن الاتحاد الأوروبي هو الشريك التجاري الأول للعرب، حيث يستأثر بنحو 27.9 في المائة من إجمالي الصادرات العربية، يليه اليابان 18.2 في المائة، ثم دول جنوب شرقي آسيا 12.5 في المائة، وأخيرا الولايات المتحدة الأميركية 9.9 في المائة، وباقي النسبة 7.6 في المائة هي عبارة عن التجارة العربية البينية، وتفوق قيمة الواردات إلى الدول العربية من الاتحاد الأوروبي قيمة الصادرات العربية إلى الاتحاد وتصل نسبة الواردات إلى نحو 45 في المائة من إجمالي الواردات إلى الوطن العربي، حيث هنا اتفاقات شراكه عربية أو أوروبية آخذة في الاتساع وخاصة مع دول المغرب العربي.

بعد إظهار مؤشرات أساسية حول الموارد البشرية والمادية في الوطن العربي وخاصة الطاقة الكامنة، فإن ثمة إمكانية حقيقية للارتقاء في الأهمية النسبية للوطن العربي في إطار العلاقات الدولية للولوج إلى حجم تلك الطاقات المتاحة، ولا ينقص العرب في ذلك سوى الإرادة السياسية الصادقة في التنسيق من أجل بناء تكتل يظهر العرب من خلاله قوة اقتصادية تمكنهم من مواجهة التحديات، حيث لا مفاوض قويا في ميادين السياسة والاقتصاد دون تكتل يحميه ويدافع عن قدراته، وقد يكون الأجدى في ذلك العمل على توسيع المشاركة السياسية والاقتصادية والمجتمعية. ونقصد هنا توسيع مشاركة المرأة العربية في الميادين المذكورة، وتفعيل دور منظمات المجتمع المدني، وكذلك تنشيط الأداء الاقتصادي. وقد تكون عملية تهيئة الظروف السياسية والاقتصادية لعودة رأس المال العربي المهاجر والمقدر بنحو تريليون دولار، 100 في المائة من إجمالي الناتج المحلي العربي المتحقق في عام 2010 على سبيل المثال لا الحصر.

قد يكون ذلك حجر الزاوية في تفعيل الاقتصاد والحد من الأزمات المستعصية، خاصة إذا اتخذت سياسات محددة لتوطين رأس المال المذكور في الوطن الأم بغض النظر عن الملكية والدولة العربية التي تتم فيها عمليات التوطين، وأن استثمار عشرة مليارات دولار في أراضي السودان الخصبة سيؤدي حتما إلى تقليص الفجوة الغذائية العربية التي تصل سنويا إلى 13 مليار دولار، وهذا بدوره سيقلل من تراكم معدلات البطالة العربية التي وصلت في بعض الدول العربية إلى ثلاثين في المائة من حجم قوة العمل فيها، ويفتح الآفاق أيضا للحد من الديون العربية المتراكمة التي وصلت في عام 2010 إلى نحو 600 مليار دولار؛ أي نحو 60 في المائة من إجمالي الناتج المحلي العربي المتحقق، كما يمكن تنشيط الاقتصاد العربي من خلال العمل على تخصيص نسب أعلى من الإنتاج لاستثمارها في مجالات البحث العلمي، حيث يمكن عبر رفع سوية البحث العلمي تحقيق معدلات أعلى من التنمية البشرية وبالتالي تحقيق تنمية ترقى إلى معدلات النمو السكاني والرفاه الاجتماعي المطلوب.

* كاتب فلسطيني

مقيم بدمشق