هل تولد إيران أخرى في مصر؟

TT

أسئلة كثيرة بإمكان المتابع أن يطرحها، وأول هذه الأسئلة وأكثرها إلحاحا يتمثل فيمن يقف وراء الثورة المصرية؟ من يرعاها ويؤدلج لها ويمنحها كل هذه القوة التي تمكنت من تغيير النظام في مصر؟

إنني شخصيا كنت أبحث عما يجعلني أصل لإجابات بهذا الخصوص، ولكي نصل لهذا علينا أن نحلل شخصية المجتمع المصري حيث ربما يتصور البعض أن «الإسلاميين» لهم دور كبير في إذكاء هذه الثورة، لكن معطيات الشارع المصري تؤكد بأن لا تأثير لهؤلاء في وسط الشباب بحكم أن الشباب لا يميلون لهذا الاتجاه والكثير منهم لم يسمح برفع شعار «الإسلام هو الحل» في ميدان التحرير، هذا الشعار رفع مرة واحدة وتم توجيه تأنيب كبير جدا لمن حمله، وربما اعتقد البعض أن رفع شعار الإسلام هو الحل من شأنه أن يجهض الثورة المصرية، والمتابع سيجد أن هناك توجسا أصاب الغرب في اليوم الذي أعلن فيه المرشد الأعلى للثورة الإيرانية بأن هناك شرقا أوسط إسلاميا الآن. الرد كان قويا ليس من قبل المتظاهرين الذين بالتأكيد لم يسمعوا هذا التصريح ويتمعنوا فيه لكن من قبل قيادات مصرية كبيرة منها وزير الخارجية أحمد أبو الغيط الذي رد بقوة على هذا التصريح، وهذا الرد كان رسالة واضحة للغرب بأن مصر ستتحول إلى النهج الإسلامي المتشدد وستولد «إيران أخرى» في المنطقة، في محاولة لاستماتة الغرب نحو تخفيف حدة الدعم للمنتفضين على الأقل إعلاميا وهذا ما لم يتحقق للنظام المصري. والشيء الآخر الذي لم يقتنع به الغرب من أن إيران لها صلة بأحداث مصر أو تنتظرها هو عدم وجود موطئ قدم لإيران في هذا البلد حتى من خلال الإخوان المسلمين الذين يختلفون بالتأكيد فكريا عن مبدأ ولاية الفقيه في إيران ولا يلتقون معها لا من قريب ولا من بعيد رغم أن الحزب الحاكم روج أيام الانتخابات عن إقدام طهران لتقديم 800 مليون دولار للإخوان لدعم دعايتهم الانتخابية آنذاك وقد تم نفي ذلك من قبل الإخوان ولم يجد صدى له داخل الشارع المصري الذي لا يمكن أن نصفه بالشارع المتدين؛ فهو أقرب للعلمانية والليبرالية في وسط مثقفيه، أما عامة الشعب فهم ينقادون للنخب السياسية ونخبة رجال الأعمال الذين ربما يقف بعضهم وراء الشباب ويدعمهم، خاصة صغار رجال الأعمال الذين وجدوا أنفسهم يخسرون الكثير من أعمالهم لحساب المقربين من السلطة وفي مقدمتهم أعضاء الحزب الحاكم.

لهذا نجد أن هناك فعلا دعما كبيرا من قبل رجال الأعمال لديمومة الثورة من أجل التخلص من سيطرة الحزب الحاكم على العديد من النشاطات الاقتصادية، وهذه ليست فرضية بقدر ما هي واقع حقيقي.

وهذا الواقع لا يتقاطع مع ثورة الشباب بل يلتقي معها في محاور عديدة في مقدمتها مصالح رجال الأعمال التي تضررت جزئيا أو كليا جراء الهيمنة والمحسوبية والفساد.

لكن ما يمكن تشخيصه بدقة أنه لا أجندات خارجية تقف وراء هذا، لأن الخارج لا يختلف مع طبيعة النظام المصري، لكن من الممكن القول بأن أميركا ساهمت بشكل كبير في قبول حسني مبارك التنحي لصالح الجيش، والجيش المصري يرتبط بعلاقات قوية مع واشنطن، التي لا تريد فعلا «إيران جديدة» لأنها لا تضمن الشارع المصري حتى موعد الانتخابات القادمة المحدد لها مبدئيا سبتمبر (أيلول) 2011. وما يمكننا قوله هو أن هناك داعمين رئيسيين لثورة الشباب المصري، الأول رجال الأعمال الذين تضرروا من هيمنة البعض على مقدرات مصر، والعامل الثاني تفهم أميركا والغرب للتغيير المسيطر عليه والاحتكام للجيش الذي يحظى بتقدير الشعب. وهذا ما يؤمن مخرجا صحيحا من وجهة نظر الجميع، فالنظام تنحى والثورة حققت أهدافها فدعوا ما تبقى ينظم بشكل لا يتعارض وأهمية مصر ودورها المحوري في المنطقة.

* كاتبة عراقية