المهم أنها ثورة قد نجحت!

TT

عندما قامت ثورة يوليو سنة 1952 كنت على ظهر الباخرة الإيطالية اسبيريا، وكنا مجموعة من الشبان الصغار، كان بيننا الدكتور عبد العزيز حجازي رئيس الوزراء وأيامها كان مدرسا في كلية التجارة جامعة القاهرة. وكنت محررا في صحيفة «الأهرام».

ولم نعرف ونحن في البحر بالضبط ما الذي حدث.. قالوا ثورة، وسمعنا ذلك في الراديو، وسمعنا أن الملك خرج وأسرته إلى إيطاليا، وقررنا أن نقابله، هذا إذا رضي أن يقابلنا.

ولما وصلنا إلى إيطاليا طالعتنا الصحف بصورة لواحد اسمه الجنرال نجيب، من هو؟ لا أحد منا يعرف، وهو رجل أسمر اللون.. شكله سوداني، من هو؟ لا نعرف!

وتصادف أن كان بيننا ضابط بوليس اسمه حسني نجيب، ولكنه أبيض، وكنا نقدمه في المطاعم على أنه أخو الرئيس المصري الجديد، ولكن غير شقيق.. فهو من أم بيضاء والرئيس من أم سمراء.. وكان الناس سعداء برؤية أخي الرئيس. بعض المطاعم كانت ترفض أن تتقاضى ثمنا لوجباتنا.. وزودناها شوية ولما كانوا يسألوننا كنا ندفع إليهم بأخي الرئيس.. الذي كان يحكي ويقول أنا قلت له وهو قال لي، وسوف أتصل به أعرف تفاصيل ما حدث، وكان الناس يصدقوننا، وتردد الزملاء للبحث عن الملك الذي استقر في جزيرة كابري. ولكني ذهبت وحدي ورأيته وكتبت عنه لمجلة «روزاليوسف» وكنت مندوبها في ذلك الوقت!

أما ثورة الشباب في مصر فهي شيء عجيب.. لا عرفنا متى تكونت ولكن شهدنا ميلادها السهل بعد 18 يوما.. ميلاد طبيعي.. ولادة طبيعية وليست قيصرية ولكن إلكترونية - شاهدنا كل شيء وتعجبنا، كيف تولد ثورة في 18 يوما بهذه السرعة وبهذا الهدوء، ويكون المولود ابنا جميلا كامل التكوين.. تكلم في المهد ورفض أن يكون له اسم.. إنها الثورة الشعبية وإنهم الثوار الشبان، وزاحمت الملايين المتدفقة إلى ميدان التحرير تحمل الأعلام وتغني وتهتف سعيدة بالانتصار على الظلم والقهر والنهب والسلب والتزوير.. حتى الأطفال الذين لا يعرفون ما المعنى وما المناسبة فقد حملوا الأعلام ورسموا علامة النصر بأصابعهم الصغيرة..

إن ثورة الشباب حدث فريد في تاريخنا - وربما في التاريخ. وكانت مفاجأة لنا ومفاجأة لكل أجهزة التنصت علينا، وأخطأ الرئيس الأميركي في الحساب وتردد في تصريحاته من الضيق والتهديد من الإنذار إلى الاعتذار - لا يهم، إن ثورة جديدة لا نظير لها في التاريخ قد حققها شباب من مصر!