إيران في مستنقع

TT

بينما كان الجميع يتطلع إلى استقرار الوضع في تونس على يد حكومة ليبرالية متنورة، ساورتني مشاعر غريبة في أن أتطلع لغير ذلك، أن أرى «الإسلامجية» يتسلمون الحكم. شيء غريب من واحد مثلي. تطلعت لآفاق عالمنا الشرق أوسطي فلاح لي هذا الأمل البراق المتقمص بهيئة الشبح. إذا استولى «الإسلامجية» على بلد مثل تونس، فإنهم بكل وضوح سيفشلون. ستموت صناعة السياحة، وسيهرب المثقفون والمهنيون المتنورون، وستتخبط سياسة الحكومة في محاولة تطبيق المستحيل، وستتضاعف البطالة في البلاد. وعندئذ سيكتمل هذا العقد الثلاثي: إيران والعراق وتونس، العقد المكتمل للفشل والإحباط والتخلف والشقاء. وباكتماله سيتضح للجميع سقم البرنامج «الإسلامجي»، شيعيا أو سنيا، وخطره على سعادة المجتمع وتقدمه. وعندئذ، وكما سبق لي أن لوحت، سيبدأ العد التنازلي لأفول الحركة «الإسلامجية» وزج الدين في شؤون الدولة وتبني الإرهاب.

ستتحمل إيران مسؤولية كبيرة عن هذا الفشل وما حل بالإسلام من تشويهات، وكل هذا الوسخ الذي لحق بالشخصية الإسلامية. لإيران مطامحها التاريخية في الشرق الأوسط. تجددت هذه المطامح بفكرة تصدير الثورة الإسلامية. كتبت في حينها وقلت إن أمام الخميني فرصة جيدة لإثبات دعواه بإعادة الجزر الثلاث التي انتزعها خصمه الشاه من العرب. لم يفعل ذلك. ففقدت إيماني بمصداقية تلك الثورة. والآن قدم الأميركان العراق على طبق من ذهب لإيران. فسارعت لتصدير تلك الثورة إليه وحصل العراقيون على التخبط والإحباط ومسيرة التخلف الحالي.

تميز شيعة العراق في العهد الملكي بالتحرر والعلمانية والتعلق بالمدنية والمعاصرة. منهم خرج أولئك الأعلام للفكر الحديث، الجواهري والشبيبي الذي انكب على دراسة الأدب الفرنسي في صحن مسجد الإمام علي، والخالصي ومحمد صالح بحر العلوم والدكتور الوردي والدكتور جواد علي والنحات محمد غني وسواهم. قادوا الحركة التقدمية في العراق، ودعوا إلى تحرر المرأة، وفتحوا مدارس للبنات. هكذا حلمت مع من حلموا بسقوط صدام حسين في أن تؤول الأمور بيد هذه الطائفة المتحررة. ولكن العكس هو ما وقع. ويا للخيبة! فما الذي حدث وكيف تغيرت الموازين ومن غيرها؟

هنا يأتي الدور الإيراني بتصدير الثورة الإيرانية لشيعة العراق. وبها انطفأت شموع الحرية وأنوار العلم وانهار سلطان القانون. ولكن علينا هنا أن نتذكر، عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم. ستصبح التجربة الإيرانية في العراق درسا لكل من يفكر في التعاون معها أو التطلع إليها. من يريد التخلف وشيوع الفساد فليمد يده إليها. بيد أن تبعات التجربة لا تقف مع الأسف عند حدود العراق. فما لحقها من شنار سيلحق بالمسلمين ككل. فسيقول القائلون شتى ما يقولون عن الإسلام وعقلية المسلمين، وهم يشيرون بأصابعهم إلى ما صدرته طهران وقم إلى جيرانها.