على عتبة جديدة

TT

الديون ليست مشكلة من دون حل. وأحيانا هي حل مؤقت. الولايات المتحدة، أكبر اقتصاد عالمي منذ نحو القرن، هي أيضا صاحبة أكبر كمية من الديون. كذلك بريطانيا وفرنسا. نسبة الديون في اليابان مريعة. المشكلة هي ألا يبدو أي نور في نهاية النفق. وأن تتزايد الحاجة إلى الاقتراض وتتناقص القدرة على التسديد. وأن يتعدى نطاق الاستهلاك، في كل شيء، منطق الإنتاج.

لم يحدث هذا في مصر وحدها. حدث من قبل في إمبراطورية الإسكندر وفي الإمبراطورية الرومانية وفي الإمبراطورية السوفياتية. العام 1972 تكهن الروسي أندريه أمالريك بأن الاتحاد السوفياتي سوف ينهار العام 1984 لأن تمدده الأمني لا يعود ممكنا ضبطه. الحكومة المركزية، كما في روما القديمة، لا تعود قادرة على مراقبة جميع مواطنيها ولا على تأمين حاجاتهم ولا حتى على توفير الطرقات اللازمة لتنقلهم، مع أن روما أنشأت أعظم شبكة طرقات في التاريخ.

تواجه الدول والأمم، مشاكل ومآزق ومسائل تفوق طاقتها على المواجهة. مصر أمام معضلة. مليونا رجل أمن لم يعودوا قادرين على مراقبة كل شيء أو التكهن بقوة وائل غنيم. واقتصادها لم يعد قادرا إطلاقا على منح الكفاية لشعبها. ولا شيء، ولا أحد، قادر على مواكبة معضلتها الكبرى: الارتفاع غير المعقول في نسبة الولادات، الذي هو، شاءت أم أبت أم بحثت له عن كل المبررات، هو باب التأخر المفتوح، وقعر الاهراء المسفوح.

فيما تعيد مصر النظر في دستورها وفي حكومتها وفي مؤسستها البيروقراطية، وخصوصا في مطالب الناس ووضع الرغيف وأوضاع المطاحن والمزارع وسكان الشوارع ورعب الهجرة من الأرياف وإرهاب الاكتظاظ في المدن، لا بد من الإدراك بأن لا حل في الوسائل والطرق القديمة. لا عيب في الاستعانة بخبراء من أي مكان. فرنسا كانت، في مرحلة، قريبة من وضع مصر. إيطاليا كانت في وضع أسوأ. لقد دلت تجربة الصين والهند أنه لا حل إلا بدخول العصر الصناعي، أي حداثة الإنتاج، ورفع مستويات الناس وإخراجها من اليأس النفسي الذي لا تجد ما تكافحه به سوى النكات البائسة هي أيضا.

أمضت مصر عقودا وهي نموذج الدولة التي تغطي بالنكات والروح المرحة عوائق سياسية ومعوقات حياتية. نتمنى أن يكون بين شبان ميدان التحرير من يعتبر أن الحياة ونوعية الحياة واستقلال الإنسان والعائلة وتحسين نوعية التعليم وقيام أجيال علمية متفوقة وليس متعلمة فقط، كل هذه ضرورات لمستقبل مصر الحرة، بقدر الدستور والشورى والبرلمان. وتحقيق ذلك في حاجة إلى طمأنينة وطنية.