حين يسيء بعض الشيعة للشيعة.. البحرين نموذجا

TT

الذي يخوض في موضوع مظاهرات ميدان تحرير البحرين (اللؤلؤة) التي يقودها التيار الشيعي في البلاد، لا بد أن يصيبه لهيبها، فإن سلم من حروق اللهيب فلن ينجو - في أقل الأحوال - من دخانها الخانق، مهما بدا متوازنا أو موضوعيا، فإن قال إنها احتجاجات مقبولة في قواعد اللعبة الديمقراطية التي ارتضتها البحرين وخطت فيها خطوات معقولة مقارنة ببعض دول المنطقة، فهو في رأي البعض كمن يشجع على تقريب عود الثقاب المشتعل من أسطوانة الطائفية القابلة أصلا للانفجار، وإن قال إن هذه الاحتجاجات نوع من الفتنة، قال البعض الآخر: وكيف لم تكن الاحتجاجات والاعتصامات في تونس ومصر نوعا من الفتنة؟ أليس هذا كيلا بمكيالين؟

خذوا بعض التشابهات والاختلافات بين الوضع في كل من تونس ومصر من جهة، والبحرين في الجهة الأخرى، حتى نخلص إلى تقويم موضوعي مبني عليه نظرة شفافة وصادقة، إن مقارنة سريعة بين المعتصمين في ميدان التحرير وميدان اللؤلؤة يجد في الأول كل ألوان الطيف السياسي والديني والفكري والآيديولوجي، وأما الثاني فلون واحد فقط، وعلاوة على الفرق الجوهري للنظام السياسي في البلدين، ملكي وجمهوري، وهذه لن أتوقف عندها كثيرا؛ لأن العبرة في النهاية بما يقدمه الحكم من خير لشعبه وإرسائه للعدل بين كل أطيافه، فإن مشاركة المعارضة في كل من حكومتي الرئيسين المخلوعين مبارك وبن علي لا تكاد تذكر، إن لم تكن معدومة، وفي البحرين يتقلد الشيعة عددا من المناصب العليا، وزراء ووكلاء وزراء ومناصب قيادية في القطاعين العام والخاص.

أما المشاركة البرلمانية فلا مجال للمقارنة بين الوضع في البحرين وكل من تونس ومصر؛ حيث تحتكر «جوقة» مبارك وبن علي النسبة الساحقة من مقاعد البرلمانين المصري والتونسي، وأما في البحرين فعلى العكس؛ حيث تسيطر المعارضة على الأغلبية المطلقة في البرلمان البحريني، لا أقول المعارضة البحرينية، ولكن التيار الشيعي على وجه الخصوص، إذن فالاستبداد السياسي الذي كان محرك الثورتين في مصر وتونس يكاد لا يوجد في البحرين. بالتأكيد هناك قصور حكومي في التعامل مع أوضاع المواطنين البحرينيين عموما، ومنهم الطائفة الشيعية، والكل، سنة وشيعة، يطمح في مزيد من إصلاحات سياسية واقتصادية ومزيد من الشفافية وبعض «اللين» في التعامل مع مثل هذه المظاهرات، هذه حقيقة، ولكن الحقائق على الأرض تقول أيضا بأن المقدار الذي أعطته الحكومة البحرينية، من الحيف أن تكون مكافأته شعار «متطرف» مثل «الشعب يريد إسقاط النظام».

الذي فات على المعارضة الشيعية البحرينية أنهم - برفعهم «العنيف» لسقف المطالب من «الشعب يريد إصلاح النظام» إلى إسقاطه مع المكتسبات الكبيرة التي حصلوا عليها - قد عززوا من موقف «شرائح» في دول المنطقة تضيق بالحوار والتواصل وتنذر بأن تحقيق بعض المطالب يقود إلى نفق لا نهاية له من المطالب العنيفة، إذن فالحساسية الطائفية والدخول الإيراني المريب في هذا الملف الساخن، الذي لم تسلم منه حتى الثورة المصرية الشعبية، تجعل الوضع في البحرين مختلفا عنه في مصر وتونس وحتى ليبيا واليمن، وهذا بالضبط ما أشار إليه المرجع الشيعي السيد علي محمد الحسيني في بيانه الذي أصدره السبت الماضي حين «شدد على ضرورة الانتباه إلى حساسية أوضاع وظروف المنطقة بشكل عام، والبحرين بشكل خاص، لأن مملكة البحرين تختلف عن العديد من دول المنطقة لأسباب متعددة».