حتى «شفيق»

TT

استجاب المجلس العسكري الحاكم في مصر لمطالب الثوار برحيل أحمد شفيق وحكومته، وهو مطلب ضمن عدة مطالب أخرى لمن يهددون دوما بميدان التحرير.

الاحتقان المصري لم يتنفس، رغم رحيل رئيس الجمهورية، وسجن الرموز المكروهة شعبيا بسبب الفساد، ورغم التعهد الواضح بأن حكم الجيش مؤقت بزمن معين ومعلن، ورغم تعديل الدستور؛ خصوصا شروط الترشح للرئاسة، ورغم حملات الإدانة لكل المرحلة السابقة، ورغم الغزل الدائم من العسكر للشباب، ورغم أن مصر دخلت مرحلة الخطر اقتصاديا وسياسيا، وهي بالفعل قد خسرت كثيرا؛ خصوصا في قطاع السياحة المهم (البرازيل حذرت من ضرر التيه السياسي على الاقتصاد المصري). رغم هذا كله فإن نغمة التصعيد ما زالت هي الحاكمة، وكل يوم يتم تحديد عنوان ثوري جديد.

الغريب أن أحمد شفيق حظي بتقدير خاص من قبل المعارضين أول ما تولى الحكومة واعتبر الوجه النظيف للسلطة، وقام بـ«اجتثاث» رجال الأعمال من حكومته، لكن كل هذه الأمور اختلفت فورا بعد تحقيق المطلب الأعلى وهو تنحي الرئيس مبارك وملاحقة رموزه، وصار مرمى النيران هو أحمد شفيق نفسه، باعتباره من النظام «البائد»، وطلب الثوار تعيين رجل جديد مرضي عنه من قبلهم هو عصام شرف وزير النقل الأسبق في حكومة أحمد نظيف!

حسب الـ«بي بي سي» فإن هذا القرار لاقى مشاعر الفرح لدى شبان الاحتجاجات، وتعليقا على القرار قال شادي الغزالي حرب، أحد قيادات ائتلاف شباب الثورة: «الحمد لله، نحن سعداء، هذا القرار استجابة لمطلب الثورة».

هل يكفي هذا القرار، وهل سيستمر هذا الفرح لدى الشباب؟!

البعض يحذر من «نصف ثورة» ويريدها ثورة كاملة لا تبقي ولا تذر، لأن هذا هو معنى الثورة.

هذا هو التبرير الذي يغلف مثل هذا الإلحاح المستمر على بقاء الحالة الثورية، كل يوم بعنوان جديد للغضب وضحية أخرى للحنق.

في مثل هذه الأجواء تصبح الثورة هي الهدف بذاتها، وليس الإصلاح أو التغيير، الثورة جائعة تريد ما يسد رمقها، وينقلها من حالة التحفز الدائم إلى حالة الاطمئنان والاسترخاء والحياة الطبيعية.

في هذه الأجواء، لا يصبح السؤال: هل أحمد شفيق رئيس حكومة جيد أم سيئ؟ هل المسؤول الفلاني مستقيم أو فاسد؟ هل هذا الإجراء مفيد أم مدمر؟ بل يصبح الأمر متى ينتهي هذا المزاج الثوري الحاد؟

حتى الجيش، لا يدرى مدى قدرته على مواكبة هذه الرغبات الثورية المستمرة دوما في حالة انعقاد مثلما هو المجلس العسكري الحاكم. وربما يصل الاحتجاج إلى المشير طنطاوي نفسه، فهو جزء جوهري من مرحلة مبارك أيضا، أكثر تجذرا من شفيق أو سليمان.. من يدري.. ربما.

مصر، وقبلها تونس في حالة جوع ثوري ولهاث رسمي لملاحقة هذا الجوع، ولا ندري عن البقية الذين يريدون الدخول في هذا المزاج الثوري الذي هو في حالة انعقاد دائم.

التبلد وعدم الحركة أمر ضار وسيئ، ونتائجه خطرة على المستقبل، ولكن الهرولة والقفز الخطير دون سابق إعداد وتمارين هي أيضا خطيرة، بل ربما تكون أكثر خطرا وجلبا للإصابات.

[email protected]