الأوضاع في إقليم كردستان.. إلى أين؟

TT

أفرزت انتفاضة شعب كردستان العراق عام 91 تولي الحزبين الرئيسيين الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني مقاليد الحكم في ثلاث محافظات رئيسية، تنافس الحزبان على كسب تأييد جماهيرهما لصالحهما، حيث اعتبرت محافظتا دهوك والسليمانية من المحافظات المحسوم ولاؤها تاريخيا لصالح هذين الحزبين، فيما كانت محافظة أربيل ومناطق من كركوك محل تنافس مرير لحسم الصراع أو لتوسيع مناطق النفوذ التي أدت إلى إشعال وإدامة نار الاقتتال الداخلي حتى وصل الأمر عام 96 إلى استنجاد الحزب الديمقراطي بقوات صدام حسين في 31 أغسطس (آب) لطرد قوات الاتحاد من مدينة أربيل.

كان لا بد من هذه المقدمة لفهم الواقع الحالي الذي أدى في ما بعد إلى نشوء إدارتين كرديتين وإلى تقاسم الثروة والسلطة، حيث رسخت التناحر والتشرذم داخل الإقليم، مما أدى إلى ترسيخ حالة الفساد الإداري والمالي في ظل غياب الإدارة الحقيقية والأجهزة الرقابية الحكومية أو الحزبية ونشوء الكتل داخل الأحزاب الكردية.

لقد توصل الحزبان الرئيسيان إلى قناعة مفادها أن استمرار التناحر والعداء السياسي بينهما سيوصلهما مرة أخرى إلى الاقتتال الذي سيضعف من مكانتهما ويبدد المصالح والثروة التي يسيطران عليها، ويهدد في النهاية السلطة التي يمتلكانها. لذلك ورغم العداء التاريخي بينهما لجآ إلى عقد اتفاقية بينهما سميت بالاستراتيجية في 27/6/2007 وما زالت بعض بنودها غامضة وسرية، الهدف منها الإبقاء على تقاسم السلطة والثروة كما ذكرنا والعمل والتنسيق معا لمجابهة أي خطر داخلي أو خارجي يهدد هذا الحلف غير المقدس.

بعد سقوط طاغية بغداد لعبت القيادات الكردية والمعارضة العراقية دورا بارزا وأساسيا في العملية السياسية والحراك السياسي في العراق، تمخض عنه كتابة مسودة للدستور الدائم وإجراء انتخابات برلمانية.

وقد حاولت القيادات الكردية إيجاد موقع لائق بها في صنع القرار في العراق الجديد وأيضا في الحصول على مناصب سيادية ووزارية هامة، استطاعت من خلالها الحفاظ على المصالح الحزبية والفئوية والمادية الضيقة بدلا من السهر على حماية الدستور أو النظام الديمقراطي أو حتى العمل على التسريع في تحقيق ما يمكن تحقيقه من المطالب القومية والدستورية. ولكن الدور الكردي في بغداد لم يكسب المؤيدين والمناصرين لمظلومية الشعب الكردي بل عمل على الإساءة لسمعة الكرد وأضر كثيرا بقضاياه التاريخية العادلة.

إن تراكم هذا الكم الهائل من الممارسات والسياسات الخاطئة سواء على مستوى الإقليم أو على نطاق العراق، وكذلك ازدياد الوعي لدى فئات الشعب الكردي وبروز الصحافة الحرة والكتاب والصحافيين والمثقفين الأحرار إضافة إلى بروز حركة التغيير بقوة إلى المشهد السياسي الكردي كلها أدت إلى توسيع رقعة المعارضة داخل الإقليم، خصوصا بعد نشر فضائح الفساد الإداري والمالي الذي وصل حدا لا يحتمل السكوت.

إن الحزبين الحاكمين اللذين استمدا شرعيتهما في البداية من الكفاح المسلح، سرعان ما استغلا العملية الانتخابية من أجل إدامة سلطتيهما عن طريق التخويف من الأخطار الخارجية ومحاولة تصدير الأزمات الكردية وتزوير إرادة المواطنين في الانتخابات واستغلال السلطة والحكم في ترويع المواطنين وقطع أرزاقهم من جهة أُخرى.

لقد تخلفت الأحزاب التقليدية الكردية عن مواكبة التطور في العالم ولم تعط الشباب حقه في العيش الحر الكريم، واعتبرت أن ما يحدث للأنظمة الدكتاتورية العربية لا يمت لها بصلة ورفضت أي تشابه أو مقارنة بينهما، بينما كان الواقع يؤكد تطابق هذه الحالات في عموم المنطقة بل إن هذه الأحزاب الكردية لم تختلف عن زعامات في مصر وتونس حين فتح «الفرع الرابع» للحزب الديمقراطي النار في مدينة السليمانية وقصبات أُخرى على المتظاهرين الشباب، كما قامت السلطات في أربيل بقمع المظاهرات والمتظاهرين الذين حاولوا التظاهر في يوم 25/2. وذلك لإيهام الرأي العام بأن المظاهرات والاستياء الشعبي هو ضد «الاتحاد الوطني الكردستاني» في السليمانية فقط وليس ضد «الديمقراطي الكردستاني».

أكثر من ذلك، يسيطر الحزبان الحاكمان على الحكومة وعلى الموازنة العامة والتجارة والسوق والعقود وعلى الأراضي الزراعية والتجارية، وليس هناك مشروع صناعي أو زراعي أو تجاري أو حتى خدمي لا يشترك فيه - بصورة مباشرة أو غير مباشرة - أعضاء بارزون في قيادات الحزبين أو المقربين منهم.

إن مطالب المعارضة الكردية وكذلك الشباب داخل الجامعات وساحة السراي في السليمانية والأقضية والقصبات الكردية تجاوزت الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بل هي الآن تطالب برحيل الحكومة الحالية وتشكيل حكومة انتقالية تهيئ لانتخابات برلمانية سريعة ونزيهة. لأن عملية الإصلاح في رأيها أصبحت حالة مستحيلة والفساد ينخر في المؤسسات الحكومية، وأن القضاء على الفساد يعني القضاء على المصالح الحيوية لبعض قيادات الأحزاب المسيطرة.

فهل ستستجيب القيادة الكردية لمطالب الشعب أم أن المظاهرات ستستمر إلى إشعار آخر؟

* رئيس تحرير صحيفة «روزنامة» الكردية وعضو سابق

في مجلس النواب العراقي