من «الويكيليكس» إلى «المولينكس»!

TT

عندما عرفت مستندات «الويكيليكس» طريقها للإعلام المفتوح كان لها الأثر الهائل على أحداث «الذهول» في الشأن السياسي العالمي أشبه بكشف الطالع، ولكن بأثر رجعي مما تسبب في حالة من الإحراج والقلق والخوف وأجبر الكثير من المسؤولين في وزارات الخارجية لدول كثيرة مهمة في البدء في «فرم» الكثير من الوثائق والمستندات الحساسة جدا.

وها هو المشهد المذهل في إدارات أمن الدولة بالداخلية في مصر، وهو يظهر أطنانا من الأوراق والمستندات «المفرومة» بعد اقتحام المحتجين من المواطنين على الإدارات الرئيسية واكتشافهم أن هذا الأمر قد تم عن طريق كبار الضباط لحماية أنفسهم وإخفاء ما كانوا يقومون به من عمليات سرية ومريبة معقدة، لتبدأ موجة من التسريبات لوثائق تم اكتشافها قبل «فرمها» تظهر تواطؤ مجموعات من الأسماء الإعلامية المعروفة «بحماسها المعارض» مع جهاز أمن الدولة، وفي حالات أخرى «تظهر» تعاطيهم رشاوى من رجال أعمال نافذين وتحريكهم من قبل مسؤولين تنفيذيين كبار بالدولة. كل ذلك يحدث ووزير الداخلية الأسبق تبدأ محاكمته بتهمة غسل الأموال.

ونفس هذه التهمة وجهت بحق مؤسستين ماليتين ضخمتين في البحرين حولت أوراقهما للمحكمة الجنائية في تصرف جريء وشجاع يحسب لمحافظ مؤسسة النقد بالبحرين رشيد معراج، والنائب العام هناك، اللذين حرصا على حماية سمعة البحرين كمركز مالي قوي ونافذ وسط الإزعاج السياسي الحاصل فيها، ولكنهم تحركوا ووجهوا الاتهام رسميا لصاحب المصرف والمشرف عليه صاحب السمعة المريبة، على الرغم من محاولات «الفرم» التي تعرضت لها وثائق ومستندات مهمة من قبل موظفين في الفترة السابقة.

ووسط خضم أحداث الثورة الخمينية في إيران واحتلال الثوار لمبنى السفارة الأميركية في طهران لجأ موظفو السفارة إلى «فرم» المستندات، لإخفاء بعض العمليات الحساسة لوكالة الاستخبارات الأميركية هناك، ولكن رجال الثورة الإيرانية وعبر جهد مضن (أشبه بحياكة السجاد الإيراني يدويا والمعتمد على عقد صغيرة جدا!) أعادوا تركيب الورق «المفروم»، وكان الفرم وقتها في اتجاه واحد وبشكل رأسي فقط، وتم الكشف والتصريح عن عمليات وعملاء للوكالة الاستخباراتية في إيران وتوجيه ضربة كبيرة لها هناك، وهو الأمر الذي اضطر مصنعي آلات «فرم» المستندات لجعلها تعمل بشكل متواز رأسي وأفقي بحيث لا يمكن استخدام الورق التالف إلا كعجينة لإعادة تدوير الورق مجددا كمسألة بيئية بحتة فقط! اليوم يبدو أن هناك صراعا محموما بين أهل الكشف عن الوثائق وإتاحتها للعامة وأهل «الفرم» الخائفين والمذعورين من فضح أدوارهم وكشفها وسقوط القيم الزائفة والمكانة الخادعة لهم وتوديع أي مصداقية كانوا يتغنون بها وعنها.

في تونس ومصر وليبيا واليمن والسودان والبحرين يبدو أن آلات «الفرم» لم تكن متوافرة بالقدر الكافي ولا منتشرة كما يجب، لأن هناك قدرا كبيرا من المعلومات والوثائق والمستندات تم الكشف عنها ويجري تداولها، وجميعها يندرج تحت خانة «صدق أو لا تصدق» مع ضرورة ووجوب التحذير من أن هناك بعضا منها مدسوس ومسيس لرغبات انتقامية. حجم «السرية» و«خصوصية» الأدوار القديمة لبعض الشخصيات والهيئات والمؤسسات بات أضعف ويتقلص دوره بشكل حاد وأصبح الجدار الحامي لها أقل ارتفاعا وأضعف شأنا. كما كانت المعلومة في يوم ما مسألة «نخبوية» لا يملكها إلا القلة وتحولت إلى شأن شعبي مع انتشار وتطور الوسائل التقنية الناقلة لهذه المعلومة، وكذلك الأمر بالنسبة للوثيقة السرية والدور السري.

«نعيش أياما عجيبة» هذا أقل ما يمكن أن يقال في هذا الزمن.

[email protected]