ماذا تعطي إسرائيل؟.. ولمن؟

TT

هذا العنوان، المستعار من مقال كتبه السيد زلمان شوفال في جريدة «إسرائيل اليوم»، يلخص الجدل السياسي الدائر بقوة في إسرائيل، حول كيفية معالجة مسألة السلام مع العرب والفلسطينيين بصورة خاصة، في زمن الثورات الشعبية، التي تجتاح العالم العربي.

ولعل السيد شوفال، اختار طريقا حذرا، في نصح الطبقة السياسية الإسرائيلية المنقسمة بين من يرى ضرورة ملحة لتقديم مبادرات سلمية جديدة للفلسطينيين، كي تستبق التطورات وتنزع صواعق التفجير الكامنة، في المنطقة كلها، وبين من يرون عدم صلة الثورات بأمر الصراع العربي الإسرائيلي، وبالتالي لا لزوم لمبادرات وتقدمات قد تؤدي إلى عكس النتائج المرجوة منها.

الذين نصحهم شوفال بالتريث، هم جماعة كديما، الذين يناقشون مبادرة الجنرال موفاز، التي تقوم على أساس التقدم بمبادرة حل مؤقت، يحصل الفلسطينيون بمقتضاها على ما يزيد على الستين في المائة من أراضي الضفة، مع ضمانات بأن يحصلوا في نهاية المطاف على ما يوازي مساحة الأراضي التي احتلت في العام 1967.

كذلك فهنالك محور نتنياهو - ليبرمان الذي يفكر جديا في تقديم مبادرة تقوم على أساس الحل المؤقت، وينظر لهذا الثنائي على نحو مختلف، إذ يجري تشكيك قوي بعدم القدرة لدى نتنياهو على تقديم هذه المبادرة، في حين ينظر إلى ليبرمان كما لو أنه رئيس وزراء إسرائيل الفعلي، إلا أنه يرى أن يكون المؤقت طويل الأمد، أي على نحو يمكن أن يتحول بفعل الأمر الواقع والإجراءات الإسرائيلية المتسارعة إلى حل دائم.

وبين كديما وليبرمان ونتنياهو، يقف أفشل سياسي في إسرائيل وهو الجنرال إيهود باراك، الذي دمر حزب العمل واقتطع منه عددا من النواب لينضم بهم إلى نتنياهو حيث يطرح ضرورة تقديم مبادرة تجاه الفلسطينيين، وينظر إلى ما يطرح باراك على أنه مجرد لحاقه بمتطلبات السوق السياسي في إسرائيل وليس كيقين بأهمية السلام واستعداده للعمل من أجل مساعدة إسرائيل على إنجازه.

نعود من جديد إلى العنوان، حيث ماذا ستعطي إسرائيل، والأهم لمن؟

يرى شوفال، أن المعضلة التي تواجه إسرائيل في غمار الثورات المشتعلة في العالم العربي، هي أنها وإن قدمت مبادرات سخية فإنها في الوقت ذاته لا تضمن تحقيق النتائج المرجوة من هذه المبادرات، فالفلسطينيون لن يرضوا حين يقدم لهم بعض ما يريدون وليس كله، أما العرب الذين لا صلة لثورتهم بالموضوع الفلسطيني فإن ما ستبادر به إسرائيل لن يقدم ولن يؤخر في أوضاع الشرق الأوسط.

ويضيف شوفال معطى آخر يراه جديرا بأن يؤخذ بعين الاعتبار وهو متعلق بـ: لمن تعطي، ويستخدم أبو مازن كنموذج.. فيقول.. من يضمن لنا أن لا ينقلب الوضع غداة توقيع أي اتفاق مع أبو مازن؟ ولتعزيز المخاوف أضاف: إننا قلقون من ثورة مصر، التي يفصل بيننا وبينها صحراء سيناء الشاسعة فكيف لا نقلق أكثر من أن نستيقظ يوما لنجد إيران واقفة على أعتاب بيوتنا؟؟

لقد اخترت طروحات شوفال، لاعتقاد مني بأنه يلخص الحوارات المحتدمة في إسرائيل بصورة دقيقة، إلا أن ما ينبغي أن يضاف إلى ذلك، هو التذكير بأن إسرائيل تفكر بهذه الطريقة الآن بحكم عدم يقينها بخلاصات الثورات المشتعلة، في العالم العربي، ذلك أن المخاوف البديهية والتلقائية قائمة بالفعل ولأسباب كثيرة، منها تعزيز مكانة الإسلام السياسي في مصر والأردن وفلسطين، ولقد رأى كثير من المفكرين الإسرائيليين في استعراض القرضاوي في ميدان التحرير، إشارة ينبغي أن تُدرس وذهب هؤلاء إلى أن القرضاوي أظهر زهدا مصطنعا بالسلطة في مصر، إلا أن ذلك لا يعني أن «الإخوان المسلمون» لا يجلسون بجانب فوهة البركان ولديهم القدرة في وقت ما على استغلال الانفجار وتوظيفه لصالحهم.

إسرائيل تجتهد في أن أي مبادرة تقدم للفلسطينيين في هذا الوقت تصلح لأن يجري الحديث عنها أكثر مما تعرض كمبادرة سياسية جدية، تقدم من أجل التطبيق، ذلك أن إكثار الحديث عن المبادرات السلمية ربما يملأ الفراغ الخطر الذي نشأ إثر انهيار المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية، وملء الفراغ يبدو ضروريا في مرحلة رصد المؤثرات الحقيقية والمباشرة للثورات العربية على وضع إسرائيل أمنيا وإقليميا ودوليا. وإلى أن يحسم الأمر برؤية خطر مماثل أو ابتعاد هذا الخطر، فإن الجدل في إسرائيل سيستمر وعلينا أن نراقب.