يا خسارة.. ولكن الحذر!

TT

كم هي محزنة صور البنات المرعوبات في إحدى مدارس البحرين بعد اندلاع اشتباكات بين طالبات من السنة والشيعة على خلفية الانقسام الذي يحدث في البحرين، وتحت ذريعة المطالبة بالإصلاح السياسي من قبل المعارضة الشيعية.

ليس الحديث هنا عن عاطفة، لكن شعرت بمرارة وأنا أشاهد دموع فتيات هن بسن ابنتي، فهل هذا المستقبل الذي نريده لخليجنا؟ البحرين التي كانت معقل التنوير، رغم صغر حجمها وإمكانياتها، ورائدة التعليم والانفتاح، تئن اليوم من الاحتقان الطائفي! هذه ليست رؤية محلل، بل حقيقة، فها هي المعارضة البحرينية تعود بنفسها لتطالب بالهدوء، وتحذر من المتربصين الساعين إلى صدامات طائفية.. تقول المعارضة هذا الكلام بعد أن وصل سقف المطالب للمناداة بجمهورية البحرين. والغريب بعد كل هذا أن المعارضة نفسها تحذر من الطائفية، ومطالبها بالأساس مبنية على موقف طائفي. فالإصلاحات التي تطالب بها المعارضة مبنية على نسبة الشيعة في البحرين، فأي طائفية بعد هذا! وهذا خطأ تاريخي، ولا بد هنا من قول كلمة حق وإن أغضبت.

فالاندفاع في اللحظات العصيبة، مثل التي تمر بها منطقتنا، من شأنه أن يعود على المنطقة كلها وأبنائها بعواقب وخيمة. فالتأجيج الطائفي في الخليج اليوم في أعلى مستوياته الشعبية، وهذا خطر محدق على استقرارنا، وما تحقق لنا من مكاسب سواء سنة أو شيعة، وما لم يكن هناك تعقل فإن قادم الأيام يشي بالأخطر. ويبدو أن المعارضة البحرينية نفسها باتت تستشعر ذلك، والدليل مناشدتها - في بيانها الأخير - لأجهزة الأمن «لتحمل مسؤوليتها في حماية الأفراد والمناطق»!

وهذه المناشدة بحد ذاتها مفارقة، فكيف يناشدون الأمن اليوم للتدخل بينما كان ارتفاع سقف المطالب يبرر دائما بسبب مواقف الأمن البحريني في بداية الأزمة؟ والمفارقة الأكبر هنا هي كيف نفسر هذه المناشدة من المعارضة البحرينية للأمن في الوقت الذي سمعنا فيه المتحدث باسم الخارجية الأميركية وهو يحذر الأمن السعودي، وقبله البحريني، من التدخل، فها هي المعارضة البحرينية نفسها تطلب حماية الأمن! والتاريخ يقول لنا أيضا إن الجيش الأميركي والحرس الوطني، وغيرهما، قد نزلوا في أبريل (نيسان) 1992 لإعادة الأمن في لوس أنجليس في أعقاب مظاهرات قام بها أميركيون غاضبون بسبب ما تعرض له رودني كنغ، الأميركي من أصول أفريقية، من قبل شرطة المدينة نفسها. وأسفر هذا التدخل العسكري عن مقتل 53 مواطنا وجرح 2383 آخرين، بل المذهل أن السفير الأميركي في اليمن يقول: لا نعتقد أن المظاهرات هي السبيل لحل مشكلات اليمن.. وإنما الحوار.. والسؤال هنا: أوليس ذلك ما قاله سعود الفيصل؟ فهل على منطقتنا المهددة بالطائفية والقبلية أن تصل إلى اللحظة التي يأتي بها المحتجون أنفسهم، وبعد فوات الأوان، لطلب النجدة من الأمن كما يحدث الآن في البحرين؟

المراد قوله، وللعقلاء تحديدا، أن واقع خليجنا، ومنه السعودية والبحرين، ليس مثل مصر وتونس وليبيا واليمن، وواجبنا الحفاظ على مكتسباتنا، وأن نعتبر لكي لا يتحول ما رأيناه في مدارس البحرين إلى شوارعنا، ثم نقول إن «تراخي الأجهزة الرسمية في هذا الأمر يحملها مسؤولية كل قطرة دم لمواطن تراق»، كما قالت المعارضة البحرينية بالأمس.