فكرة ممنوعة

TT

تُذكّر بعض أحداث هذه الأيام في مصر بما جرى ذات مرحلة من عهد أنور السادات. فقد كتب مصطفى أمين يومها في زاويته اليومية «فكرة» ينتقد هرولة أعضاء مجلس الشعب للانضمام إلى الحزب الجديد الذي أنشأه السادات قائلا: «كنت أتمنى لو أن أعضاء مجلس الشعب لم يهرولوا إلى الانضمام إلى حزب الرئيس السادات الجديد. كنت أتمنى لو أنهم انتظروا حتى أعلن السادات برنامج الحزب وبحثوه ودرسوه ثم اقتنعوا به، وبعد ذلك قرروا الانضمام.. كنت أتمنى لو أنهم انتظروا حتى يتألف الحزب فعلا».

كانت صاعقة الهرولة إلى الاستقالة من الحزب الوطني بعد تنحي الرئيس حسني مبارك. 5 آلاف استقالة في يوم واحد. 5 آلاف شخص اكتشفوا في لحظة واحدة معا أنهم كانوا على خطأ طوال سنين! وكان ذلك مضحكا، بما فيه التبريرات التي قدمت. غير أن أنور السادات، الذي كان قد أطلق مصطفى أمين بعد تسع سنوات في سجن عبد الناصر لم تعجبه خاتمة «فكرة» ذلك النهار: «صباح الخير أيتها الديمقراطية»! وبعدما قرأها وهو على شاطئ الإسكندرية رمى الجريدة إلى زوجته بعصبية قائلا: «شوفي الهباب ده»! وسارع إلى إصدار أمر بمنع مصطفى أمين من الكتابة، باعتباره ليس رئيس الجمهورية فقط؛ بل رئيس تحرير جميع صحف مصر.

ولم يكتف السادات بمنع الكتابة، كما يروي الكاتب محمود فوزي، بل طالب بنزع اسمي المؤسسين عن صحف «أخبار اليوم»، أي «أسسها مصطفى وعلي أمين». لكن ثمة من نصحه بأن ذلك سوف يثير ضجة لأنهما المصريان الوحيدان اللذان أسسا صحيفة من الصحف الموجودة آنذاك في مصر. فـ«الأهرام» مكتوب عليها «أسسها سليم وبشارة تقلا» و«روزاليوسف» مكتوب عليها «أسستها فاطمة اليوسف»، وهي لبنانية أيضا، و«المصور» مكتوب عليها «أسسها إميل وشكري زيدان»، «فإذا حذفنا اسمي مصطفى وعلي أمين فمعنى ذلك أننا نقول إن اللبنانيين وحدهم هم الذين أسسوا جرائد مصر».

وفي النهاية تم حذف أسماء جميع مؤسسي الصحف. ولم تكن تلك المرة الأولى - كما يروي فوزي - التي حُذف فيها اسما مصطفى وعلي. فعندما كان مصطفى في السجن جاءه وكيل المخابرات العامة وقال له: «إن الرئيس جمال عبد الناصر قرر حذف اسمي المؤسسين عن صحف (أخبار اليوم)، فما رأيك في الأمر؟». وأجاب مصطفى أمين: «رأيي أن هرم الجيزة ليس مكتوبا عليه أسسه خوفو».