الكارثة متلفزة

TT

منذ ستة أيام ونحن نتابع صور الزلزال والجدار المائي الذي اجتاح مدنا شمال اليابان..

موجات عملاقة غريبة وهادئة تمتد على قدر ما يستطيع النظر أن يلحق بها وتتسابق نحو الشاطئ. جدار من الوحل الأسود غطى حقولا زراعية ومدرجات طيران حتى باتت الطائرات والسيارات تموج وتتهادى كالألعاب العائمة.

ماذا يمكننا أن نفعل سوى المشاهدة؟

في عالم بعيد منا ابتلعت موجات عملاقة أنفاقا وطرقات وطائرات وبيوتا.. وأناسا..

الصور الجوية سمحت لنا برؤية مشاهد لم تكن متاحة في كوارث سابقة.

كأي شخص على الكرة الأرضية، حدقت في البيوت العائمة وفي السيارات وكل ما كان الماء يجرفه وأنا أتساءل: هل من أحياء في داخله؟ وأي رعب يطبق عليهم؟!

هل سنبقى ننظر إلى الكارثة هذه بوصفها مأساة لكنها تحدث بعيدا عنا؟

شاهدنا مشاهد مماثلة ربما في الأفلام، لكن الموت والحياة سينمائيا مهما كانا مؤثرين، فإن فيهما شيئا من الراحة؛ ففي النهاية ما نشاهده ليس حقيقيا، لكننا مرة أخرى نشخص إلى ما نراه؛ ليس كمشهد مؤثر، بل واقع مرعب بكل ما فيه من جبروت الكوارث الطبيعية.

الصور اللاحقة كانت تزيد من قشعريرة الخوف عندنا بسبب التكلفة الإنسانية.. أعني بها مشاهد اليابانيين الملوحين بأعلام بيضاء وأولئك الذين شاهدناهم من بعيد والمياه تبتلعهم أو أولئك الذين نجوا من دون أن نعرف كيف سيمكنهم تجاوز ما عاشوه.

بالمعايير التلفزيونية، من الصعب القول إلى متى ستبقى تلك المشاهد راسخة في الوعي العام الياباني والعالمي.

في منطقتنا، كنا وما زلنا منشغلين بالحدث الليبي، وقبله التونسي والمصري، وينشدّ اهتمامنا نحو البحرين واليمن، لكن في الحقيقة، بدت أحداثنا هزيلة أمام الفاجعة اليابانية.

إن أثر الأيام الستة من التغطية لكارثة اليابان قد يبرهن على أنه حدث مختلف عن الكوارث التي شهدناها قبلا، مثل زلازل تشيلي وهايتي وباكستان، وقبلا تسونامي المحيط الهندي الذي قتل 300 ألف شخص عام 2004.

زلزال اليابان وما أعقبه من موجات تسونامي وانفجارات نووية هو الكارثة البيئية الأكبر التي تتزامن مع فورة الاتصالات والانتشار غير المسبوق لوسائل التواصل الاجتماعي.

اليابان هو أكثر بلد متطور تقنيا في العالم، لذا، لم يكن مفاجئا، ربما، أن الزلزال الأقوى منذ قرن وموجات تسونامي التي أعقبته تم تسجيلهما لحظة بلحظة وبتقنية «High Definition».

لا يوجد بلد في العالم مهيأ وقادر على التعامل مع الزلازل قدر اليابان، ولا بلد أيضا قادر على أن ينقل إلى العالم النتائج الحتمية للكارثة على هذا القدر من التفاصيل والدقة كاليابان.

لا تزال المشاهد تتدفق من هناك، وكل يوم نطالع صورا جديدة لهواة ومصورين لم يتمكنوا في الأيام الأول من عرض ما لقطته عدساتهم، لكن بعد أن بدأت عمليات الإنقاذ وصلت إلينا صورهم.

كلما تكررت صور الجدار المائي ذاك، نشعر أن أنفاسنا تكاد تتوقف، لكنها تعود، بينما أنفاس أولئك الذين ابتلعتهم المياه قد توقفت فعلا أمام أعيننا جميعا، وكل ما أمكننا فعله هو المشاهدة.

diana@ asharqalawsat.com

* مقال اسبوعي يتابع قضايا الإعلام