أعمار الرؤساء

TT

تجادل المحتجون بعد إسقاط حسني مبارك من الرئاسة حول عمر مرشح الرئاسة، بعضهم اقترح، حتى لا يبعد الشباب عن هذا المنصب الحيوي، منع الترشح لمن هم فوق الخمسين، وبعضهم اقترح أربعين عاما كحد أعلى، وبالطبع لم تفلح هذه الأفكار في إقناع القانونيين، باستثناء بند صريح يمنع الرئيس من الترشح لأكثر من فترتين رئاسيتين، لا تزيد كل فترة عن أربع سنوات فقط، بما يشابه النظام الأميركي.

ولا اختلاف على أن طول بقاء الرؤساء في الحكم سبب أساسي في ترهل الإدارة وديكتاتورية الفرد وجملة أعراض فشل أخرى تصيب المنصب والدولة. لكن ليس صحيحا أن صغر عمر الرئيس أو كبره، هو دليل النجاح أو الفشل. واقتراح أن يكون الرئيس المصري تحت الخمسين - عدا عن أنه لم يلق قبولا - كان واضحا أنه وسيلة لإقصاء شخصيات أساسية في الساحة المصرية مثل عمرو موسى ومحمد البرادعي.

صغر العمر لم يكن مقياسا لضمان إدارة الدولة، فالرئيس الليبي معمر القذافي صار رئيسا وعمره ستة وعشرون عاما فقط، ومنذ اليوم الأول وحتى اليوم هو نموذج للحاكم الإداري الفاشل، والأكثر تسلطا. ولا ننسى أن مبارك هو الآخر عندما صار رئيسا كان في سن 52 عاما، أي أقل من معظم رؤساء العالم، وزين العابدين بن علي أيضا تولى الحكم وعمره 51 عاما، وكذلك الرئيس اليمني علي عبد الله صالح صار رئيسا وعمره فقط 36 عاما. وهؤلاء ينتقدون ليس على آخر أيام حكمهم بل يلامون على كل ما فعلوه منذ بداياتهم. في الولايات المتحدة، معظم رؤسائها دخلوا البيت الأبيض عن عمر فوق الخمسين باستثناء بيل كلينتون وباراك أوباما، 46 و47 عاما.

المشكلة لم تكن في العمر، بل أولا في بلوغ الحكم بطرق ملتوية، انقلاب أو تكليف. والرئاسة سلطة مطلقة حيث لا توجد مؤسسات، فيبدأ الرئيس يخطط منذ العام الأول ليصبح دائما وكامل الصلاحيات. وأنا واثق من أن الرئيس مبارك لو سئل وحكى بصدق لو عاد به الزمن إلى الوراء، سيقول إنه يتمنى لو لم يجلس السنوات الأخيرة في الحكم، ليس فقط تجنبا للمأساة التي انتهت بها رئاسته، ولطخت تاريخه، بل أيضا لأنه اكتشف متأخرا أن بقاءه كان بلا شعبية. ولا أدري عن زين العابدين بن علي، الذي لو حكى وتمنى ربما سيقول لو رجع به الزمن إلى الوراء كان سيزيد من قوات الشرطة، أو طلق زوجته ليلى التي جلبت هي وأفراد عائلتها هذا الكم الكبير من الانتقادات والكراهية له.

لو كان النظام واضحا وتنفيذه صارما، ربما جنب هؤلاء الزعماء التاريخيون أنفسهم الكوارث التي حلت بهم، لكن «لو» لا تنفع، فقد قدر الله وما شاء فعل. ويبدو أن المصريين من فزعهم وغضبهم من الرئاسة الطويلة اتجهوا لتبني الصيغة الأميركية بتحديد الرئاسة بأربع سنوات، ولفترتين لا يجوز انتخابه بعدهما. الصيغة نفسها التي يسعى الأميركيون إلى تعديلها لإعطاء الرئيس خمس سنوات أو أكثر على اعتبار أن أربع سنوات ليست كافية لأي رئيس أن يدير البلاد ببرنامج حقيقي يمكن شعبه من الحكم عليه. وبالفعل مهما كان الرئيس عظيما فإن طول الإقامة يكره الناس فيه، وهكذا خرج ديغول العظيم من رئاسة فرنسا الذي أحس بالمشكلة فأجرى استفتاء خرج بموجب نتيجته بعد أن صوتت الأغلبية ضده. والسيدة الحديدية مارغريت ثاتشر فازت في رئاسة الوزراء البريطانية للمرة الثالثة لكن الحزب أخرجها بسبب تناقص شعبيتها واختاروا بديلا ليكمل السبعة عشر شهرا المتبقية في حكمها.

[email protected]