قوات «درع الجزيرة» نسفت «خريطة الطريق» الإيرانية في الخليج

TT

من المؤكد أن قرار دول مجلس التعاون الخليجي إرسال قوات رمزية من درع الجزيرة العربية، لمساعدة البحرين في حماية منشآتها الدستورية والاقتصادية والمالية، أربك خطط القيادة الإيرانية الخفية، إنما المعروفة، لقلب موازين القوى في دول الخليج العربية. من المفترض أن يدفع هذا التطور إيران إلى الكشف عن مخططاتها، لكن الأمر مستبعد.

من الواضح أن إيران تستفيد من الانتفاضة في البحرين؛ فهي تصيب عبرها عدة أهداف، أبرزها: تهديد الاستقرار في دول الخليج العربية كلها، ووضع الولايات المتحدة في موقف صعب. وبالنسبة إلى إيران، فإن «الثورات» في دول شمال أفريقيا وتمددها إلى الجزيرة العربية تمثل فرصة ذهبية وتحقق أهدافا لها تعود إلى زمن الشاه محمد رضا بهلوي وكان قد أعاد إحياءها العام الماضي حسين شريعتمداري، رئيس تحرير صحيفة «كيهان»، الذي طالب بضم البحرين إلى إيران.

اعتاد النظام الإيراني على كفاءته في استغلال قدراته بطريقة سرية، لإعادة رسم الواقع السياسي في الكثير من الدول؛ فهو يعتبر هذه الاستراتيجية قليلة المخاطر، إنما ذات مردود عالٍ. وقد اعتمد على قوته في الساحات السرية لتحقيق خططه في البحرين وعلى مساحة منطقة الخليج العربية كله. بالنسبة إلى البحرين اعتمد النظام الإيراني على علاقاته السياسية، والاقتصادية، وعلاقاته مع أحزاب ومجموعات سياسية لمنع المفاوضات بين المعارضة الشيعية والنظام السني، فأسهم في تصعيد المظاهرات وإثارة الاشتباكات المذهبية بقصد تحويل الاضطراب السياسي إلى مواجهة مذهبية يمكن أن تعيد رسم توازن القوى في دول الخليج لمصلحة طهران. واللافت أن الوضع في البحرين تحول من مطالبة المتظاهرين الشيعة بحقوقهم المشروعة إلى ما يبعث الشكوك مع عودة رجل الدين حسن مشيمع (حركة الحق) الذي هو على اتصال وثيق مع النظام الإيراني. ومن بين الذين أسهموا في منع الجلوس على طاولة المفاوضات في البحرين رجل الدين حجة الإسلام هادي المدرسي، رئيس الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين (تجدر الملاحظة إلى أن هذه الجبهة كانت وراء المحاولة الانقلابية الإيرانية عام 1981 ضد القيادة البحرينية)، وكذلك محمد تقي المدرسي العراقي (من كربلاء)، المقيم حاليا في البحرين، الذي ينسق مع الإيرانيين لتنظيم المظاهرات والأماكن التي يجب أن تغلقها.

يقول كثيرون: إنه ما دام المتظاهرون عزلا فيجب عدم مواجهتهم. المتظاهرون في البحرين يرددون كلمة «سلمية»، وبسببها أقاموا في دوار اللؤلؤ، وعبروا «الرفاع» ووصلوا إلى القصر الملكي، وأغلقوا كل المنافذ التي تؤدي إلى حي المال. وللعلم فإن المتظاهرين في «ميدان التحرير» في القاهرة كان سلاحهم كلمة «سلمية»، وبها أطاحوا بنظام الرئيس حسني مبارك.

فوجئ النظام الإيراني بتطور يوم الاثنين الماضي، ربما لم يكن يتوقع خطوة عسكرية خليجية بهذا الشكل المباشر؛ لأن دول الخليج العربية، وعلى رأسها السعودية، تفضل دائما العمل الهادئ، وتقبل الصدمات والعمل على استيعابها بالتي هي أحسن.

الآن، إذا لم تفعل إيران شيئا، فإن الموجة التي كانت تتحرك لمصلحتها ستتوقف، وقد تسير في الاتجاه المعاكس، وتفقد طهران، بالتالي، الفرصة التي اعتبرتها فرصتها التاريخية. أما إذا قررت التدخل العلني في البحرين، الجزيرة الواقعة بين السعودية وقطر (قوتين سنيتين)، وفيها قاعدة الأسطول الأميركي الخامس، فإنها قد تفتح عليها بابا يهدد حتى نظامها. فالرئيس محمود أحمدي نجاد يحمي موقعه بما يعتبره المحافظون الإيرانيون نجاحا في السياسة الخارجية التي يتبعها، والتي تسمح له بقمع المظاهرات المضادة في الداخل وتجنيب دخول إيران في أي حرب مباشرة.

قرب الانسحاب الأميركي من العراق حرك شهية إيران، التي تحاول استغلاله إلى ما لا نهاية، وتزامنت التحضيرات لهذا الانسحاب مع «ثورات» عربية بدأت شعبية، ولكن لم يعد معروفا بأيدي من ستنتهي. بعد تحرك قوات درع الجزيرة العربية في البحرين، قد تفضل إيران التمسك بخططها الخفية وتستغل قدراتها في أفغانستان (الأسبوع الماضي صادرت القوات الخاصة البريطانية في أفغانستان شحنات صواريخ إيرانية مرسلة إلى طالبان)، أو في العراق أو في لبنان من أجل إثارة أزمة جديدة لتتجنب التورط في وضع لا ترغب فيه في البحرين.

قرب الانسحاب الأميركي من العراق يدفع إلى الاعتقاد أنه المكان الأنسب لفرض الأمر الواقع الذي تتطلع إليه طهران. لكن سرت شائعات مؤخرا، في واشنطن، بأن الرئيس باراك أوباما قرر الإبطاء أو وقف الانسحاب؛ لأن إتمامه في الوقت المتفق عليه قد يجعل التوازن في العراق يميل لمصلحة إيران، وهذه استراتيجية كارثية.

لكن، إذا سلمنا أن هذه مجرد شائعات وحاولت إيران إشغال الولايات المتحدة في العراق لإبعاد الأنظار عما تفعله هي في البحرين، فيمكن لهذا أن يرتد عليها ويدفع واشنطن إلى تأجيل انسحابها.

كان قد لوحظ أنه ما إن أعلنت دول مجلس التعاون الخليجي عن تطبيقها اتفاقية الدفاع المشترك، وهذا يعني ضمنا إدراكها أن المظاهرات في البحرين بدأت حقوقا وانحرفت لتصبح ممرا للنفوذ الإيراني في الخليج، حتى أعلن أصفنديار رحيم مشائي، مدير مكتب الرئيس الإيراني، عن احتمال سفره إلى الأمم المتحدة في 18 الحالي للمشاركة هناك في عيد النوروز (رأس السنة الإيرانية/ الكردية). وكان هذا الإعلان بمثابة رسالة إلى واشنطن لتحريك قنوات الاتصال الخلفية للمفاوضات بين واشنطن وطهران.

في ظل الأوضاع المتوترة في العالم العربي، ترى إيران فرصتها المهمة لتغيير الواقع السياسي في المنطقة العربية والخليجية. هي تريد أن تظهر أنها قادرة، عبر مجموعات شيعية في الخليج، أن تضغط على الدول العربية وعلى الولايات المتحدة للتفاوض على التأقلم معها حسب شروطها، فإذا نجحت بذلك فإنها تضمن اعترافا دوليا بنفوذها في العراق والمنطقة المحيطة به، بما في ذلك ثروات الطاقة.

تراهن إيران على حاجة الولايات المتحدة الاستراتيجية للتخفيف من أعبائها العسكرية في المنطقة، لكن بعد التطورات الأخيرة في الدول العربية التي أحدثتها «الثورات» تغير الوضع؛ فسقوط نظام حسني مبارك، خلال 18 يوما، أربك الإدارة الأميركية التي اتهمت بالتخلي السريع عن حلفائها، وتحدي العقيد الليبي معمر القذافي للإرادة الدولية التي «أصدرت الأمر» إليه بالرحيل، كشف أيضا عن أن الغرب قادر على الإطاحة بـ«الطغاة» الذين ارتبطوا معه بعلاقات وثيقة، وغير قادر على «الطغاة» الذين ابتعد عنهم، أو أداروا له ظهورهم.

وإذا كان ما حدث للرئيس المصري حسني مبارك بمثابة الدرس الذي استفاد منه الزعيم الليبي، فإن إقدام القذافي على قصف شعبه، غير آبه بكل المبادئ الأخلاقية، وليس فقط القوانين الدولية، هو الدرس الذي كانت إيران تنوي اعتماده على أساس أن خططها الخارجية قائمة. لكن ما حدث يوم الاثنين الماضي يعني أن صدمة أصابت الإدارة الأميركية التي تهاونت في الدفاع عن حلفائها، بغض النظر عن تاريخهم، وأبقت احتمال التحاور مع أعدائها قائما.

الآن، يبدو أن مسار خريطة الطريق الإيرانية في الخليج العربي تعطل، نتيجة الحركة الخليجية الجريئة المضادة. ليس واضحا ما سيكون عليه رد الفعل الإيراني، قد تحاول إيران التسبب في مشكلات في السعودية، لكن مع الخطوة التي أقدمت عليها الرياض تجاه البحرين، فإن محاولات إيران ستواجه الفشل.

كشفت أحداث الأيام الأخيرة عن أن الإيرانيين يواجهون هجوما مضادا يهدد مشروعهم الذي عملوا عليه لسنوات طويلة فظنوا أنهم على وشك قطف ثماره. ومن الواضح أن خريطة الطريق الإيرانية انهارت في جزئها الخليجي.